أما
جواز التسلسل، فإن أرادوا به التسلسل المتعاقب في الآثار شيئا بعد شيء، فهم يقولون بجواز ذلك، وحينئذ فلا يمتنع أن يكون كل ما سوى الله محدثا، كائنا بعد أن لم يكن، كالفلك وغيره، وإن كان حدوثه موقوفا على سبب حادث قبله، وحدوث ذلك السبب موقوف على سبب حادث قبله.
وإن أرادوا التسلسل المقترن ـ وهو أنه لو حدث حادث، للزم أن يحدث معه تأثيره، ومع حدوث تمام تأثيره يحدث تأثير المؤثرـ فهذا باطل بصريح العقل، وهم يوافقون على امتناعه.
وإن عنوا بالتسلسل: أنه لو حدث مرجح ما، للزم أن لا يحدث شيء حتى يحدث شيء، فهذا متناقض، وهو ممتنع أيضا.فإن قال القائل: «لو حدث سبب يوجب ترجيح جنس الفعل للزم هذا التسلسل» فهو صادق، ولكن هذا يفيد أنه لا يحدث مرجح يوجب ترجيح الفعل، بل لا يزال جنس الفعل موجودا، فهذا يسلمه لهم أئمة المسلمين.
[ ص: 369 ]
لكن ليس في هذا ما يقتضي صحة قولهم بقدم شيء من العالم، بل هذا يقتضي حدوث كل ما سوى الله، فإنه إذا كان جنس الفعل لم يزل، لزم أنه لا تزال المفعولات تحدث شيئا بعد شيء، وكل مفعول محدث مسبوق بعدم نفسه، ولكن هؤلاء ظنوا أن المفعول يجب أن يقارن الفاعل في الزمان، ويكون معه من غير أن يتقدم الفاعل على مفعوله بزمان.
وهذا غلط بين لمن تصوره، وهو معلوم الفساد بالعقل عند عامة العقلاء، ولهذا لم يكن في العقلاء من قال: إن السماوات والأرض قديمة أزلية إلا طائفة قليلة، ولم يكن في العالم من قال: إنها مفعولة وهي قديمة إلا شرذمة من هذه الطائفة الذين خالفوا المعقول وصحيح المنقول.