[ ص: 406 ] وأما الذين يقولون: (إنه لم يزل متكلما إذا شاء، أو فاعلا بمشيئته، وإنه يقوم به إرادات أو كلمات متعاقبة شيئا بعد شيء) فهؤلاء لا يجعلونه في الأزل قط علة تامة، ولا موجبا تاما، ولا يقولون: إن فاعلية شيء من المفعولات يتم في الأزل.
بل عندهم كون الشيء مفعولا ومصنوعا مع كونه أزليا جمع بين النقيضين، وإذا امتنع كون المفعول الذي هو أثر المكون أزليا، امتنع كون تأثيره وتكوينه المستلزم له قديما أزليا، فامتنع أن يكون علة تامة في الأزل لشيء من الأشياء.
ولكن ذاته تستلزم بما يقوم بها من الأفعال شيئا بعد شيء، وكلما تم فاعلية مفعول وجد ذلك المفعول، كما قال تعالى:
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون [يس: 82] ، فكلما كون الشيء كونه فحصل المكون عقب تكوينه، وهكذا الأمر دائما،
فكل ما سواه مخلوق حادث بعد أن لم يكن، وتمام تكوينه وتخليقه لم يكن موجودا في الأزل، بل إنما تم تخليقه وتكوينه بعدئذ، وعند تمام التكوين والتخليق حصل المكون المخلوق عقب التكوين والتخليق، لا مع ذلك في الزمان، فأين هذا القول من قولكم؟ !.