ومما
يزيد دعواكم تكذيبا واستحالة ويزيد المؤمنين بكلام الله إيمانا وتصديقا أن الله قد ميز بين من كلم من رسله في الدنيا وبين من لم يكلم، ومن يكلم من خلقه في الآخرة ومن لا يكلم، فقال:
تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات [ سورة البقرة: 253] فميز بين من اختصه الله بكلامه وبين من لم يكلمه، ثم سمى ممن كلم الله
موسى فقال:
وكلم الله موسى تكليما [ سورة النساء: 164] فلو لم يكلمه بنفسه إلا على تأويل ما
[ ص: 65 ] ادعيتم، فما فضل من ذكر الله في تكليمه إياه على غيره ممن لم يكلمه؟ إذ كل الرسل في تكليم الله إياهم مثل
موسى، وكل عندكم لم يسمع كلام الله، وقد قال تعالى:
أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله [ سورة آل عمران: 77]، ففي هذا بيان أنه لا يعاقب قوما يوم القيامة بصرف كلامه عنهم إلا وأنه يثيب بتكليمه قوما آخرين.
وقال أيضا في بيان كفر
الجهمية: "أخبر الله أن القرآن كلامه، وادعت
الجهمية أنه خلقه، وأخبر الله تبارك وتعالى أنه كلم
موسى تكليما، وقال هؤلاء: لم يكلمه الله بنفسه، ولم يسمع
موسى نفس كلام الله، إنما سمع كلاما خرج إليه من مخلوق، ففي دعواهم دعا مخلوق
موسى [ ص: 66 ] إلى ربوبيته فقال:
إني أنا ربك فاخلع نعليك [ سورة طه: 12] فقال له
موسى في دعواهم: صدقت، ثم أتى فرعون يدعوه إلى ربوبية مخلوق كما أجاب
موسى في دعواهم، فما فرق بين
موسى وفرعون في الكفر إذا؟ فأي كفر أوضح من هذا؟ وقال الله تبارك وتعالى:
إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [ سورة النحل: 40]. وقال هؤلاء: ما قال لشيء قط - قولا وكلاما - كن فكان، ولا يقوله أبدا، ولم يخرج منه كلام قط، ولا يخرج، ولا هو يقدر على الكلام في دعواهم، فالصنم في دعواهم والرحمن بمنزلة واحدة في الكلام".