والناس في هذا الباب ثلاثة أقسام:
الجهمية المحضة من
المعتزلة ومن وافقهم، يجعلون هذا كله مخلوقا منفصلا عن الله تعالى.
والكلابية ومن وافقهم، يثبتون ما يثبتون من ذلك: إما قديما بعينه لازما لذات الله، وإما مخلوقا منفصلا عنه.
وجمهور أهل الحديث وطوائف من أهل الكلام، يقولون: بل هنا قسم ثالث قائم بذات الله متعلق بمشيئته وقدرته، كما دلت عليه النصوص الكثيرة.
[ ص: 148 ]
ثم بعض هؤلاء قد يجعلون نوع ذلك حادثا، كما تقوله الكرامية، وأما أكثر أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثا، بل قديما، ويفرقون بين حدوث النوع وحدوث الفرد من أفراده، كما يفرق جمهور العقلاء بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه، فإن نعيم أهل الجنة يدوم نوعه ولا يدوم كل واحد واحد من الأعيان الفانية، ومن الأعيان الحادثة ما لا يفنى بعد حدوثه، كأرواح الآدميين، فإنها مبدعة، كانت بعد أن لم تكن، ومع هذا فهي باقية دائمة.
والفلاسفة تجوز مثل ذلك في دوام النوع دون أشخاصه، لكن الدهرية منهم ظنوا أن حركات الأفلاك من هذا الباب، وأنها قديمة النوع، فاعتقدوا قدمها، وليس لهم على ذلك دليل أصلا، وعامة ما يحتجون به إبطال قول من لا يفرق بين حدوث النوع وحدوث الشخص، ويقولون: إنه يلزم من حدوث الأعيان حدوث نوعها، ويقولون: إن ذلك كله حدث من غير تجدد أمر حادث.
وهذا القول إذا بطل كان بطلانه أقوى في الحجة على الدهرية في إفساد قولهم، وفي صحة ما جاء به الكتاب والسنة، كما تقدم بيانه، وإن لم يبطل بطل قولهم.
[ ص: 149 ]
فالمعقول الصريح موافق للشرع متابع له كيف ما أدير الأمر، وليس في صريح المعقول ما يناقض صحيح المنقول، وهو المطلوب.
ومن المعلوم: أن
أصل الإيمان تصديق الرسول فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أنه لا يجوز أن يكون ثم دليل لا عقلي ولا غير عقلي يناقض ذلك، وهذا هو المطلوب هنا.
ولكن أقواما ادعوا معارضة طائفة من أخباره للمعقول.