وبسط الكلام في مسألة العلم، وقال - لما ذكر القولين
[ ص: 171 ] المتقدمين -:
"والقائلون بالحدوث قالوا: إنه لا يحتاج إلى هذا التمحل، وسموه على طريق المجادلة باسم التمحل للتشنيع والتسفيه، بل نقول: بأن المبدئ المعيد خلق العالم وأحدثها بإرادة قديمة أزلية أراد بها في القدم إحداث العالم حتى أحدثه".
وقال: "وقيل في جوابهم: إن ذلك المبدأ لا يتغير ويتخصص في القدم إلا بمعقول يجعله مقصودا في العلم القديم عند الإرادة القديمة، حيث أراده في مدة العدم السابق لحدوث العالم التي هي مدة غير متناهية البداية، وما لا يعقل ولا يتصور لا يعلم، وما لا يمكن أن يعلم لا يعلمه عالم، لا لأن الله لا يقدر على علمه، لكن لأنه في نفسه غير مقدور عليه، ثم ما الذي يقولونه في حوادث العالم: من مشيئة الله وإرادته التي بها يقبل الدعاء من الداعي، ويحسن إلى المحسن، ويسيء إلى المسيء، ويقبل توبة التائب، ويغفر للمستغفر، هل يكون ذلك عنه أو لا يكون؟ فإن قالوا بأنه لا يكون أبطلوا بذلك
[ ص: 172 ] الشرع الذي قصدهم نصرته، وأبطلوا حكم أوامره ونواهيه، وكل ما جاء لأجله من الحث على الطاعة، والنهي عن المعصية، وإن قالوا: يكون ذلك بأسره عنه فهل هو بإرادة أم بغير إرادة؟ وكونه بغير إرادة أشنع، وإن كان بإرادة فهل هي إرادة قديمة أم محدثة؟ فإن كانت قديمة فالإرادات القديمة غير واحدة، وما أظنهم يقولون: إن المرادات الكثيرة صدرت عن إرادة واحدة.
قال: "وإن قالوا: إن ذلك يصدر عنه بإرادات حادثة، فقد قالوا بما هربوا منه أولا".