والمقصود هنا أن نبين غاية حجة النفاة، فإنه بعد أن ذكر الخلاف قال: "والمعتمد أن نقول:
كل ما صح قيامه بالباري تعالى: فإما أن يكون صفة كمال، أو لا يكون، فإن كان صفة كمال استحال أن يكون [ ص: 175 ] حادثا، وإلا كانت ذاته قبل اتصافه بتلك الصفة خالية عن صفة الكمال، والخالي عن الكمال الذي هو ممكن الاتصاف به ناقص، والنقص على الله محال بإجماع الأمة، وإن لم يكن صفة كمال استحال اتصاف الباري بها ؛ لأن
إجماع الأمة على أن صفات الله بأسرها صفات كمال، فإثبات صفة لا من صفات الكمال خرق للإجماع، وإنه غير جائز".
قال: "وهذا ما نعول عليه، وإنه مركب من السمع والعقل".
قال: "والذي عول عليه أصحابنا أنه لو صح اتصافه بالحوادث لوجب اتصافه بالحوادث أو بأضدادها في الأزل، وذلك يوجب اتصافه بالحوادث في الأزل، وإنه محال".
وقال: "وهذه الدلالة مبنية على أن القابل للضدين يستحيل خلوه عنهما، وقد عرفت فساده".
قال: "ومن أصحابنا من أورد هذه الدلالة على وجه لا يحتاج في تقريرها إلى البناء على ذلك الأصل، وهو أنه لو كان قابلا للحوادث لكان قابلا لها في الأزل، وكون الشيء قابلا للشيء فرع عن إمكان وجود المقبول، فيلزم صحة حدوث الحوادث في الأزل، وهو محال".
قال: "إلا أن ذلك معارض بأن الله قادر في الأزل، ولا يلزم من أزلية قادريته صحة أزلية المقدور، فكذلك ههنا".
[ ص: 176 ]
قال: "ومنهم من قال: لو كانت الحوادث قائمة به لتغير، وهو محال".
قال: "وهذا ضعيف، لأنه إن فسر التغير بقيام الحوادث به اتحد اللازم والملزوم، وإن فسر بغيره امتنع إثبات الشرطية".