قال:
"وكل مخالف لنا يوافقنا على امتناع العرو عن الأعراض بعد قبول الجواهر لها، فيفرض الكلام على الملحدة في الأكوان، فإن القول فيها يستند إلى الضرورة، فإننا ببديهة العقل نعلم أن الجواهر القابلة للاجتماع والافتراق لا تعقل غير متماسة ولا متباينة.
ومما يوضح ذلك: أنها إذا اجتمعت فيما لا يزال فلا يتقرر اجتماعها إلا عن افتراق سابق، إذا قدر لها الوجود قبل الاجتماع، وكذلك إذا طرأ الافتراق عليها اضطررنا إلى العلم بأن الافتراق مسبوق باجتماع، وغرضنا في روم إثبات حدث العالم، يتضح بالأكوان"،.
[ ص: 191 ]
قلت: إثبات الأكوان بقبول الحركة والسكون هو الذي لا يمكن دفعه، فإن الجسم الباقي لا بد له من الحركة أو السكون، وأما الاجتماع والافتراق فهو مبني على إثبات الجوهر الفرد، والنزاع فيه كثير مشهور، فإن من ينفيه لا يقول: إن الجسم مركب منه، ولا إن الجواهر كانت متفرقة فاجتمعت، والذين يثبتونه أيضا لا يمكنهم إثبات أن الجواهر كانت متفرقة فاجتمعت، فإنه لا دليل على أن السماوات كانت جواهر متفرقة فجمع بينها، ولهذا قال في الدليل: "فإنا ببديهة العقل نعلم أن الجواهر القابلة للاجتماع والافتراق لا تعقل غير متماسة ولا متباينة". وهذا كلام صحيح، لكن الشأن في إثبات الجواهر القابلة للاجتماع والافتراق، فما ذكره من الدليل مبني على تقدير أنها كانت متفرقة فاجتمعت، وهذا التقدير غير معلوم، بل هو تقدير منتف في نفس الأمر عند جمهور العقلاء من المسملين وغيرهم.