[ ص: 194 ] " (فصل) مما يخالف فيه الجوهر حكم الإله: قبول الأعراض، وصحة الاتصاف بالحوادث، والرب يتقدس عن قبول الحوادث".
قال:
"وذهبت الكرامية إلى أن الحوادث تقوم بذات الرب، ثم زعموا أنه لا يتصف بما يقوم به من الحوادث، وصاروا إلى جهالة لم يسبقوا إليها، فقالوا: القول الحادث يقوم بذات الرب، وهو غير قائل به، وإنما يقول بالقائلية، والقائلية عندهم القدرة على التكلم، وحقيقة أصلهم: أن أسماء الرب لا يجوز أن تتجدد، ولذلك وصفوه بكونه خالقا في
[ ص: 195 ] الأزل، ولم يتحاشوا من قيام الحوادث به، وتنكبوا إثبات وصف جديد له ذكرا وقولا".
قال: "والدليل على بطلان ما قالوه: أنه لو قبل الحوادث لم يخل منها، لما سبق تقريره في الجواهر، حيث قضينا باستحالة تعريها عن الأعراض، ولو لم تخل عن الحوادث لم تسبقها، وينساق ذلك إلى الحكم بحدث الصانع".
قال: "ولا يستقيم هذا الدليل على أصل
المعتزلة، مع مصيرهم إلى تجويز خلو الجوهر عن الأعراض، على تفصيل لهم أشرنا إليه، وإثباتهم أحكاما متجددة لذات الرب تعالى من الإرادة المحدثة القائمة لا بمحل على زعمهم، ويصدهم أيضا عن طرد دليل في هذه المسألة: أنه إذا لم يمتنع تجدد أحكام للذات من غير أن تدل على الحدث لم يبعد مثل ذلك في اعتوار نفس الأعراض على الذات".
[ ص: 196 ]
هذا كلامه، ولقائل أن يقول: قوله: "الدليل على بطلان ما قالوه: أنه لو قبلها لم يخل منها لما سبق تقريره في الجواهر" هو لم يذكر دليلا هناك إلا قياس ما قبل الاتصاف على ما بعده، وهو ليس حجة علمية عقلية، بل غايته: احتجاج بموافقة منازعه في مسألة عظيمة عقلية ترد لأجلها نصوص الكتاب والسنة، وينبني عليها من مسائل الصفات والأفعال أمور عظيمة اضطرب فيها الناس، فمن الذي يجعل أصول الدين مجرد قول قالته طائفة من أهل الكلام وافق بعضهم بعضا عليه من غير حجة عقلية ولا سمعية؟.
وقد أجابه المنازعون بجواب مركب، وهو إما الفرق - إن صح - وإلا منع حكم الأصل.