فالنوع الأول: كتنازع المتكلمين من مثبتة القدر ونفاته في
استطاعة العبد وهي قدرته وطاقته. هل يجب أن تكون مع الفعل لا قبله، أو يجب أن تكون متقدمة على الفعل، أو يجب أن تكون معه وإن كانت متقدمة عليه ؟ .
فمن قال بالأول لزمه أن يكون كل عبد لم يفعل ما أمر به قد كلف ما لا يطيقه إذا لم تكن عنده قدرة إلا مع الفعل، ولهذا كان الصواب الذي عليه محققو المتكلمين وأهل الفقه والحديث والتصوف وغيرهم ما دل عليه القرآن، وهو أن الاستطاعة - التي هي مناط الأمر والنهي، وهي المصححة للفعل - لا يجب أن تقارن الفعل، وأما الاستطاعة التي يجب معها وجود الفعل فهي مقارنة له.
[ ص: 61 ]
فالأولى: كقوله تعالى:
ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا [آل عمران: 97] .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=40لعمران بن حصين: nindex.php?page=hadith&LINKID=651050«صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب».
ومعلوم أن
الحج والصلاة يجبان على المستطيع، سواء فعل أو لم يفعل، فعلم أن هذه الاستطاعة لا يجب أن تكون مع الفعل.
والثانية: كقوله تعالى:
ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون [هود: 20]، وقوله:
وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا [الكهف: 101-102] على قول من يفسر الاستطاعة بهذه.
وأما على تفسير السلف والجمهور فالمراد بعدم الاستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته على نفوسهم، فنفوسهم لا تستطيع إرادته، وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه، وهذه حال من صده هواه أو رأيه الفاسد عن استماع كتب الله المنزلة واتباعها، وقد أخبر أنه لا يستطيع ذلك.
وهذه الاستطاعة هي المقارنة للفعل الموجبة له، وأما الأولى فلولا وجودها لم يثبت التكليف، كقوله:
[ ص: 62 ] فاتقوا الله ما استطعتم [سورة التغابن: 16] ، وقوله:
والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها [الأعراف: 42] ، وأمثال ذلك، فهؤلاء المفرطون والمعتدون في أصول الدين إذا لم يستطيعوا سمع ما أنزل إلى الرسول فهم من هذا القسم.