فإذا
قال النفاة من الجهمية والمتفلسفة والباطنية: هذه الصفات متقابلة تقابل العدم والملكة، فلا يلزم من رفع أحدهما ثبوت الثاني، إلا أن يكون المحل قابلا لهما، فأما ما لا يقبلهما كالجماد فلا يقال فيه حي ولا ميت، ولا أعمى ولا بصير.
أجيبوا عن ذلك بعدة أجوبة:
مثل أن يقال: هذا اصطلاح لكم، وإلا فاللغة العربية لا فرق فيها، والمعاني العقلية لا يعتبر فيها مجرد الاصطلاحات.
ومثل أن يقال: فما لا يقبل هذه الصفات كالجماد أنقص مما يقبلها
[ ص: 223 ] ويتصف بالناقص منها، فالحي الأعمى أكمل من الجماد الذي لا يوصف ببصر ولا عمى، وهذا بعينه يقال فيما يقوم به من الأفعال ونحوها التي يقدر عليها ويشاؤها، فإنه لو لم يتصف بالقدرة على هذه الأفعال لزم اتصافه بالعجز عنها، وذلك نقص ممتنع كما تقدم، والقادر على الفعل والكلام أكمل من العاجز عن ذلك.
فإذا قال النافي: "إنما يلزم اتصافه بنقيض ذلك لو كان قيام الأفعال به ممكنا، فأما ما لا يقبل ذلك كالجدار فلا يقال: هو قادر على الحركة ولا عاجز عنها".
فيقال: هذا نزاع لفظي كما تقدم، ويقال أيضا: فما لا يقبل قيام الأفعال الاختيارية به والقدرة عليها كالجماد أنقص مما يقبل ذلك كالحيوان، فالحيوان الذي يقبل أن يتحرك بقدرته وإرادته إذا قدر عجزه هو أكمل مما لا يقبل الاتصاف بذلك كالجماد، فإذا وصفتموه بعدم قبول ذلك كان ذلك أنقص من أن تصفوه بالعجز عن ذلك، وإذا كان وصفه بالعجز عن ذلك صفة نقص، مع إمكان اتصافه بالقدرة على ذلك، فوصفه بعدم قبول الأفعال والقدرة عليها أعظم نقصا.
فإن قال النافي: لو جاز أن يفعل أفعالا تقوم به بإرادته وقدرته للزم أن يكون محلا للحوادث، وما قبل الشيء لا يخلو عنه وعن ضده، فيلزم تعاقبها، وما تعاقبت عليه الحوادث فهو حادث، لامتناع حوادث لا أول لها.
[ ص: 224 ]
قيل لهم: هذا مبني على مقدمتين: على أن ما يقبل الشيء لا يخلو عنه وعن ضده، وعلى امتناع دوام الحوادث، وكل من المقدمتين قد بين فسادها كما تقدم.