[ ص: 225 ] وأيضا فإن هؤلاء
النفاة يقولون: لم يكن الرب تعالى قادرا على الفعل فصار قادرا، وكان الفعل ممتنعا فصار ممكنا، من غير تجدد شيء أصلا يوجب القدرة والإمكان، وهذا معنى قول القائل: إنه يلزم أن ينقلب الشيء من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي، وهذا مما تجزم العقول ببطلانه، مع ما فيه من وصف الله بالعجز وتجدد القدرة له من غير سبب.
ومن اعتذر منهم عن ذلك - مثل كثير منهم - قالوا: إن الممتنع هو القدرة على الفعل في الأزل، فنفس انتفاء الأزل يوجب إمكان الفعل والقدرة عليه.
قيل لهم: الأزل ليس هو شيئا كان موجودا فعدم، ولا معدوما فوجد، حتى يقال: إنه تجدد أمر أوجب ذلك، بل الأزل كالأبد، فكما أن الأبد هو الدوام في المستقبل، فالأزل هو الدوام في الماضي، فكما أن الأبد لا يختص بوقت دون وقت، فالأزل لا يختص بوقت دون وقت، فالأزلي هو: الذي لم يزل كائنا، والأبدي هو: الذي لا يزال كائنا، وكونه لم يزل ولا يزال معناه دوامه وبقاؤه، الذي ليس له مبتدأ ولا منتهى، فقول القائل: "شرط قدرته انتفاء الأزل" كقول نظيره: "شرط قدرته انتفاء الأبد".
فإذا كان
سلف الأمة وأئمتها وجماهير الطوائف أنكروا قول الجهم في [ ص: 226 ] كونه تعالى لا يقدر في الأبد على الأفعال، فكذلك قول من قال: لا يقدر في الأزل على الأفعال، وقول أبي الهذيل: "إنه تعالى لا يقدر على أفعال حادثة في الأبد" يشبه قول من قال: "لا يقدر على أفعال حادثة في الأزل"، وقد بسط الكلام على هذا، وقول من يفرق بين النوعين في غير هذا الموضع.