وأما القول: فهو المصدر كما تقدم، والمقول هو الكلام، فإن في إحدى النسختين: "مقولا له" وفي الأخرى: "ومقولا".
وعلى هذا فقول
عبد العزيز: "إن قال خلق كلامه في نفسه فهذا محال لا يجد سبيلا إلى القول به من قياس ولا نظر ولا معقول ؛ لأن الله لا يكون مكانا لحوادث، ولا يكون فيه شيء مخلوق، ولا يكون ناقصا فيزيد فيه شيء إذا خلقه، تعالى الله عن ذلك!" مراده: أنه لا يكون مكانا لما حدث مطلقا. وهو ما حدث جنسه، كالكلام عند من يقول: إنه حادث الجنس فإنه يقول: إن الله صار متكلما بعد أن لم يكن متكلما، فيكون جنس الكلام محدثا، وكذلك إذ قيل: أراد بعد أن لم يكن مريدا، فحدث جنس الإرادة، وكذلك إذا قيل: علم بعد أن لم يكن عالما، فيكون جنس العلم حادثا، وأمثال هذا، فإن الله لا يكون مكانا لأجناس الحوادث.
وعلى هذا فيكون
عبد العزيز قد ذكر على بطلان قول المريسي عدة حجج: أنه لا يكون مكانا للمخلوقات، ولا يكون مكانا لما جنسه حادث، ولا يكون ناقصا فيزيد فيه شيء، فهذه ثلاث حجج
[ ص: 291 ] وهذا لا ينافي ما ذكره من أنه خلق بالفعل الذي كان بالقدرة، وأن الفعل صفة، والله يقدر عليه، ولا يمنعه منه مانع، وأنه أحدث الأشياء بأمره وقوله عن قدرته، ونحو ذلك، فإن هذا الفعل والقول المقدور الذي ليس هو مخلوقا منفصلا عنه ليس جنسه محدثا عنده، وإن كان الواحد من آحاده يكون بعد أن لم يمكن. فالجنس لا يقال له حادث ولا محدث، بل لم يزل الله موصوفا بذلك عنده. ولهذا قال: "ولا يكون فيه شيء مخلوق، ولا يكون ناقصا فيزيد فيه شيء إذا خلقه" فإن ما كان جنسه محدثا كان قد زادت به الذات، وقد عرف أن المخلوق عنده: ما كان مسبوقا بفعله الذي خلق به وقوله وقدرته، وأن المخلوق لا يكون إلا منفصلا عنه.
فهذا الذي قاله
عبد العزيز فيه
رد على الكرامية ومن وافقهم في أنهم جوزوا عليه أن يحدث له جنس الكلام ونحوه مما لم يكن موجودا فيه قبل ذلك، وجوزوا أن يحدث له جنس صفات الكمال، ومتى قيل: "إنه لم يكن موصوفا بجنس من أجناس صفات الكمال حتى حدث له" لزم أن يكون قبل ذلك ناقصا عن صفة من صفات الكمال، فلا يكون متكلما، بل يكون موصوفا قبل ذلك بعدم الكلام، وهذا الذي قاله عبد العزيز هو نظير قول
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيره من الأئمة.