وأما المقدمة الثانية فضعيفة. وذلك أنه يقال: هب أن هذا ثبت، لكن
لم لا يجوز أن يتكلم بحروف ومعان قائمة في ذاته حادثة؟ وهذا القول قول طوائف من المسلمين، فليس هو خلاف الإجماع، فإن أبطل هذا بقوله: "ليس هو محلا للحوادث".
قيل: فهذا - إن صح - فهو دليل كاف، كما سلكه من سلكه من الناس، وإن لم يصح بطلت الدلالة، فتبين أنه لا بد في إثبات قدمه من هذه المقدمة.
وأما قوله: "كل من أثبت اتصاف الله بهذه المعاني فإنه يقول بقدمها" فليس الأمر كذلك. بل كثير من أهل الحديث وأهل الكلام يثبتونها ولا يقولون بقدمها.
وأما الفرق الذي ذكره في المحصول فهو أن الأمة إذا اختلفت في مسألتين على قولين: فإن كان مأخذهما واحدا - كتنازعهم في الرد وذوي الأرحام - لم يكن لمن بعدهم إحداث موافقة هؤلاء في مسألة وهؤلاء في مسألة. وإن كان المأخذ مختلفا - كتنازعهم في الشفعة وميراث ذوي الأرحام - جاز موافقة هؤلاء في مسألة وهؤلاء في مسألة، فظن أن قدم
[ ص: 329 ] الكلام مع إثبات هذه المعاني من هذا الباب، وليس الأمر كذلك، فإن مأخذ إثبات هذه المعاني ليس هو مأخذ القدم، فإن القدم مبني على مسألة الصفات، وعلى أنه: هل يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته؟ وأما إثبات هذه المعاني فمسألة أخرى.