الوجه الرابع: أن يقال له: قولك:
"إجماع الأمة على أن صفاته كلها صفات كمال" إن عنيت بذلك صفاته كلها اللازمة له لم يكن في هذا حجة لك، وإن عنيت ما يحدث بقدرته ومشيئته لم يكن هذا إجماعا، فإنك أنت وغيرك من أهل الكلام تقولون: إن صفة الفعل ليست صفة كمال ولا نقص، والله موصوف بها بعد أن لم يكن موصوفا، فكونه خالقا ومبدعا وعادلا ومحسنا ونحو ذلك عندك أمور حادثة متجددة، وليست صفة مدح ولا كمال، وإن قلت "المفعولات ليست قائمة به، بخلاف ما يقوم به".
قيل لك: هب أن الأمر كذلك، لكن ما يحدث بقدرته ومشيئته إما أن يقال: هو متصف به أو لا يقال: هو متصف به، فإن قيل "ليس
[ ص: 338 ] متصفا لا بهذا ولا بهذا، وإن قيل "هو متصف به" كان متصفا بهذا وهذا.
ومعلوم
أن المشهور عند أهل الكلام من عامة الطوائف أنهم يقسمون الصفات إلى صفات فعلية وغير فعلية، مع قول من يقول منهم: إن الأفعال لا تقوم به، فيجعلونه موصوفا بالأفعال، كما يقولون: إنه موصوف بأنه خالق ورازق، وعندهم هذه أمور كائنة بعد أن لم تكن، ولما قال لهم من يقول بتسلسل الحوادث من الفلاسفة وغيرهم: "الفعل إن كان صفة كمال لزم اتصافه به في الأزل، وإن كان صفة نقص امتنع اتصافه به في الأبد" أجابوا عن ذلك بأن الفعل ليس صفة كمال ولا نقص.