ولما أورد من
أورد من الملاحدة نفاة الصفات بأن عدم هذه الصفات إنما يكون نقصا إذا كان المحل قابلا لها، وإنما يكون عدم البصر عمى، وعدم الكلام خرسا، وعدم السمع صمما: إذا كان المحل قابلا لذلك كالحيوان، فأما ما لا يقبل ذلك كالجماد، فإنه لا يوصف بهذا ولا بهذا - أجيبوا عن هذا بأن ما لا يقبل الاتصاف لا بهذا ولا بهذا أعظم نقصا مما يقبلهما ويتصف بأحدهما، وإن اتصف بالنقص، فالجماد الذي لا يقبل الحياة والسمع والبصر والكلام أعظم نقصا من الحيوان الذي يقبل ذلك، وإن كان أعمى أصم أبكم. فمن نفى الصفات جعله كالأعمى الأصم الأبكم، ومن قال: إنه لا يقبل لا هذا ولا هذا جعله كالجماد الذي هو دون الحيوان الأعمى الأصم الأبكم، وهذا بعينه موجود في الأفعال، فإن الحركة بالذات مستلزمة للحياة وملزومة لها، بخلاف الحركة بالعرض كالحركة القسرية التابعة للقاسر، والحركة الطبيعية التي تطلب بها العين العود إلى مركزها لخروجها عن المركز، فإن تلك حركة بالعرض. والعقلاء متفقون على ما كان من
[ ص: 342 ] الأعيان قابلا للحركة فهو أشرف مما لا يقبلها، وما كان قابلا للحركة بالذات فهو أعلى مما لا يقبلها بالعرض، وما كان متحركا بنفسه كان أكمل من الموات الذي تحركه بغيره. وقد بسط في غير هذا الموضع.