فصل
ونحن نتكلم على هذه الحجة - حجة الكمال والنقصان - كلاما مطلقا لا يختص بنظم
الرازي، إذ يقول القائل: أنا أصوغها على غير الوجه الذي صاغها عليه
الرازي فنقول:
اعلم أن الطوائف المسلمين لهم في هذا الأصل الذي تنبني عليه مسألة الأفعال الاختيارية القائمة بذات الله تعالى أربعة أقوال تتفرع إلى ستة. وذلك أنهم متنازعون:
هل يقوم بذاته ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغير الأفعال؟ على قولين مشهورين، ومتنازعون في أن الأمور المتجددة الحادثة: هل يمكن تسلسلها ودوامها في الماضي والمستقبل، أو في المستقبل دون الماضي، أو يجب تناهيها وانقطاعها في الماضي والمستقبل؟ على ثلاثة أقوال معروفة.
فصارت الأقوال أربعة:
طائفة تقول: يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته، ثم هل يقال
[ ص: 343 ] ما زال كذلك، أو يقال: حدث هذا الجنس بعد أن لم يكن؟ على قولين.
وطائفة تقول: لا يقوم به شيء من ذلك، ثم هل يمكن دوام ذلك وتسلسله خارجا عنه؟ على قولين.
وكل من الطائفتين تنازعوا: هل يمكن وجود هذه المعاني بدون محل تقوم به؟ على قولين.
فالقائلون من أهل القبلة بجواز تسلسل الحوادث: منهم من قال: تقوم به، ومنهم من قال: تحدث لا في محل، ومنهم من قال: تحدث في محل غيره.
والمانعون لذلك من أهل القبلة: منهم من قال: تقوم به ولها ابتداء، ومنهم من قال: بل تحدث قائمة في غيره ولها ابتداء، ومنهم من قال: بل تحدث لا في محل ولها ابتداء.
وقد ذكرنا حجة المانعين من قيام المقدورات والمرادات به، وكلام من ناقضها. ونحن نذكر حجة المانعين من التسلسل في الآثار، وكلام بعض من عارضهم من أهل القبلة.
وهذا موجود في عامة الطوائف، حتى في الطائفة الواحدة، فإن
أبا الثناء الأرموي قد ذكر في " الباب الأربعين "
لأبي عبد الله الرازي من الاعتراضات على ذلك ما يناسب
[ ص: 344 ] هذا الموضع، وتابع في ذلك طوائف من النظار،
nindex.php?page=showalam&ids=14552كأبي الحسن الآمدي وغيره، بل نفس
الرازي قد ذكر في مواضع من كتبه نقض ما ذكره في " الأربعين " ولم يجب عن ذلك، كما قد حكينا كلامه في موضع آخر، وسيأتي إن شاء الله كلام
الرازي في إفساد هذه الحجج التي ذكرها في تناهي الحوادث بأمور لم يذكر عنها جوابا.