أما المقدمة الأولى فقد تبين كلامهم فيها، ومناقضة بعضهم بعضا، وأنهم التزموا لأجلها: إما
جحد صفات الله وأفعاله القائمة به، وإما جحد بعض ذلك، وأنهم اشترطوا في خلق الله تعالى للعالم ما ينافي خلق العالم، فسلطوا عليهم أهل الملل والفلاسفة جميعا.
وأما الثاني فهي أظهر وأعرف وأبده في العقول من أن تحتاج إلى بيان، فبنوها على أن كل محدث فهو ممكن الوجود، وأن الممكن يحتاج في وجوده إلى مؤثر موجود، وكل من هاتين المقدمتين صحيحة في نفسها، مع أن القول بافتقار المحدث إلى المحدث أبين وأظهر في العقل من القول بافتقار الممكن إلى المؤثر الموجود، فبتقدير بيانهم للمقدمتين يكونون قد طولوا وداروا بالعقول دورة تبعد على العقول
معرفة الله تعالى والإقرار بثبوته، وقد يحصل لها في تلك الدورة من الآفات ما يقطعها عن المقصود، فكانوا كما قيل لبعض الناس: أين أذنك؟ فرفع يده وأدارها على رأسه، ومدها وتمطى، وقال: هذه أذني، وكان يمكنه أن يشير إليها بالطريق المستقيم القريب، ويقول: هذه أذني. وهو كما قيل:
أقام يعمل أياما رويته وشبه الماء بعد الجهد بالماء
[ ص: 74 ]
وهو نظير ما يذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=17382يعقوب بن إسحاق الكندي فيما حكاه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=14551السيرافي من قوله: هذا من باب فقد عدم الوجود، وفقد عدم الوجود هو الوجود، فكيف وقد ذكروا في افتقار الممكن إلى الواجب بنفسه مع ظهوره وبيانه، كما قد بيناه في غير هذا الموضع: ما هو نقيض المقصود: من التعليم، والبيان، وتحرير الأدلة والبراهين. وقد تكلمنا على تقرير ما يتعلق بهذا المقام في غير هذا الموضع.