والأدلة العقلية إنما يعترض على معانيها، فإن كنت أوردت هذا سؤالا لفظيا كان قليل الفائدة، وإن كان سؤالا معنويا كان باطلا في نفسه.
والقوم لما قالوا:
الموجود إما أن يكون واجبا بنفسه، وإما أن يكون ممكنا بنفسه. جعلوا الوجود منحصرا في هذين القسمين، أي: جعلوا كل واحد واحد من الموجودات منحصرا في هذين القسمين.
وأما الجملة الجامعة لهذا وهذا، فهي جامعة للقسمين، ومرادهم بالممكن في أحد القسمين: ما يكون كل شيء منه لا يوجد إلا بشيء منفصل عنه، ومرادهم بالواجب بنفسه ما لا يفتقر إلى مباين له بوجه من الوجوه.
ومن المعلوم أن الأول مفتقر إلى مقتض خارج عنه، وأن مجموع تلك الممكنات ممكن مفتقر إلى ما هو مفتقر إلى مقتض مباين له. والمفتقر إلى المفتقر المباين له أولى أن يكون مفتقرا إلى المباين، وأما
[ ص: 236 ] الثاني فلا يجوز أن يكون مفتقرا إلى مباين له، وأما افتقاره إلى نفسه أو جزئه، فهذا لا ينافي كونه غنيا عما يباينه.
وحينئذ فمجموع الموجودات التي بعضها واجب وبعضها ممكن ليس هو من الممكن بهذا التفسير، بل هو من الواجب لعدم افتقاره إلى مباين له.