فصل
واعلم أن هؤلاء غلطوا في
مسمى واجب الوجود وفيما يقتضيه الدليل من ذلك، حتى صاروا في طرفي نقيض، فتارة يثبتونه ويجردونه عن الصفات حتى يجعلوه وجودا مطلقا، ثم يقولون: هو الوجود الذي في الموجودات، فيجعلون وجود كل ممكن وحادث هو الوجود الواجب
[ ص: 240 ] بنفسه، كما يفعل ذلك محققة صوفيتهم كابن عربي وابن سبعين والقونوي والتلمساني وأمثالهم.
وتارة يشككون في نفس الوجود الواجب، ويقدرون أن يكون كل موجود ممكنا بنفسه لا فاعل له، وأن مجموع الوجود ليس فيه واجب بنفسه، بل هذا معلول مفعول، وهذا معلول مفعول، وليس في الوجود إلا ما هو معلول مفعول، فلا يكون في الوجود ما هو فاعل مستغن عن غيره، فتارة يجعلون كل موجود واجبا بنفسه، وتارة يجعلون كل موجود ممكنا بنفسه.
ومعلوم بضرورة العقل بطلان كل من القسمين، وأن
من الموجودات ما هو حادث، كان تارة موجودا وتارة معدوما، وهذا لا يكون واجبا بنفسه، وهذا لا بد له من موجود واجب بنفسه.
ومن غلطهم في مسمى واجب الوجود أنهم لم يعرفوا ما هو الذي قام عليه الدليل، والذي قام عليه الدليل أنه لا بد من واجب بنفسه لا يحتاج إلى شيء مباين له، فلا يكون وجوده مستفادا من أمر مباين له، بل وجوده بنفسه، وكون وجوده بنفسه لا ينفي أن يكون موجودا بنفسه، وأن يكون ما دخل في مسمى نفسه من صفاته لازما له، فالدليل دل على أنه لا بد للممكنات من أمر خارج عنها يكون
[ ص: 241 ] موجودا بنفسه. فلا يكون وجوده بأمر خارج عنه، وحينئذ فاتصافه بصفاته، سواء سمي ذلك تركيبا أو لم يسم، لا يمنعه أن يكون واجبا بنفسه لا يفتقر إلى أمر خارج عنه. ولهذا كانت صفاته واجبة الوجود بهذا الاعتبار، وإن لزم من ذلك تعدد مسمى واجب الوجود بهذا المعنى. بخلاف ما إذا عني به أنه الموجود الفاعل للممكنات، فإن هذا واحد سبحانه لا شريك له.
وأما إذا عني به الموجود بنفسه القائم بنفسه. فالصفات اللازمة تكون ممكنة، لكن هذا يقتضي أن يكون في الممكنات ما هو قديم أزلي، وهذا باطل كما قد بسطناه في موضع آخر.