قيل: إن سلم لكم أن
ماهية المحدث زائدة على وجوده – مع موافقتكم لسائر العقلاء على أنه يمتنع تحققها في الخارج إلا إذا كانت موجودة،
[ ص: 251 ] وحين وجودها لا تكون معدومة، بمعنى كونها تقبل الوجود والعدم- قيل أحد أمرين: إما أن يقال: الماهية المقدرة في الذهن يمكن أن تكون موجودة في الخارج، ويمكن أن تكون معدومة، وإما أن يقال: هذه الحقيقة يمكن أن تكون في الخارج معدومة، فإذا اخترنا من ذلك حال عدمها قيل: يمكن وجودها بعد العدم، وإن كان حين وجودها: قيل: يمكن عدمها بعد الوجود، ومثل هذا ممتنع في الماهية القديمة الأزلية التي يجب وجودها ويمتنع عدمها، سواء قدر أن وجوبها بنفسها أو بغيرها، كما أن
صفات الرب عند من قال: ممكنة مع كونها قديمة أزلية واجبة بالذات، فإنها عندهم لا يمكن عدمها ولا تقبله، فإن ما وجب قدمه من الأمور الوجودية امتنع عدمه باتفاق العقلاء. فإن ما يجب قدمه لا يكون إلا واجبا بنفسه، وإن قدر أنه ليس واجبا بغيره، وما ليس واجبا بنفسه ولا بغيره ليس قديما باتفاق العقلاء.
[ ص: 252 ]
فإنه إذا قدر أنه ليس واجبا بنفسه فلا بد أن يكون من لوازم الواجب بنفسه، فإنه إذا لم يكن من لوازمه، بل جاز وجوده تارة وعدمه أخرى. لم يكن هناك موجب لذاته ولا ذاته واجبة بنفسها فامتنع قدمه. وإذا كان من لوازم الواجب بنفسه امتنع عدمه إلا إذا عدم الملزوم، فإن اللازم لا ينتفي إلا إذا انتفى الملزوم، والملزوم الواجب بنفسه يمتنع عدمه، فيمتنع عدم لازمه، وما امتنع عدمه لا يكون ممكن العدم.