فإن قيل: قول القائلين: «إن الأنبياء لم يدعوا الناس إلى إثبات الصانع بهذه الطريقة: طريقة الأعراض وحدوثها ولزومها للأجسام، وأن ما استلزم الحادث فهو حادث.
للمنازعين فيه مقامان:
أحدهما: منع هذه المقدمة.
فإنه من المعروف أن كثيرا من النفاة يقول: إن هذه الطريقة هي طريقة
إبراهيم الخليل، وإنه استدل على حدوث الكواكب والشمس والقمر بالأفول، والأفول هو الحركة، والحركة هي التغير، فلزم من
[ ص: 101 ] ذلك أن كل متغير محدث، لأنه لا يسبق الحوادث، لامتناع حوادث لا أول لها، وكل ما قامت به الحوادث فهو متغير، فيجب أن يكون محدثا، فهذه الطريق التي سلكناها هي طريقة
إبراهيم الخليل.
وهذا مما ذكره خلق من النفاة، مثل
nindex.php?page=showalam&ids=15211بشر المريسي وأمثاله، ومثل
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل nindex.php?page=showalam&ids=14847وأبي حامد والرازي، وخلق غير هؤلاء.
وأيضا، فالقرآن قد دل على أنه ليس بجسم، لأنه أحد، والأحد: الذي لا ينقسم، وهو واحد، والواحد: الذي لا ينقسم، ولأنه صمد، والصمد: الذي لا جوف له، فلا يتخلله غيره، والجسم يتخلله غيره؛ ولأنه سبحانه قد قال
[ ص: 102 ] ليس كمثله شيء [الشورى: 11] ، والأجسام متماثلة، فلو كان جسما لكان له مثل، وإذا لم يكن جسما لزم نفي ملزومات الجسم.
وبعضهم يقول: نفي لوازم الجسم.
وليس بجيد، فإنه لا يلزم من وجود اللازم وجود الملزوم، ولكن يلزم من نفيه نفيه، بخلاف ملزومات الجسم، فإنه يجب من نفيها نفي الجسم، فيجب نفي كل ما يستلزم كونه جسما.
ثم من
نفى العلو والمباينة يقول: العلو يستلزم كونه جسما، ومن
نفى الصفات الخبرية يقول: إثباتها يستلزم التجسيم، ومن
نفى الصفات مطلقا قال: ثبوتها يستلزم التجسيم.
وأيضا، فالتجسيم نفي، لأنه يقتضي القسمة والتركيب، فيجب نفي كل تركيب؛ فيجب نفي كونه مركبا من الوجود والماهية، ومن الجنس والفصل، ومن المادة والصورة، ومن الجواهر المفردة، ومن الذات والصفات.
وهذه الخمسة هي التي يسميها
نفاة الصفات من متأخري الفلاسفة تركيبا.
والمقصود هنا أن السمع دل على نفي هذه الأمور، والرسل نفت ذلك، وبينت الطريق العقلي المنافي لذلك، وهو نفي التشبيه تارة، وإثبات حدوث كل متغير تارة.