وقد زعم
الرازي في "محصله" وغيره أن
المتكلمين والفلاسفة يجوزون
وجود الممكن القديم عن موجب بالذات، وهي العلة القديمة. لكن المتكلمون يقولون: إنه فاعل بالاختيار، فلهذا يمنعون قدم شيء من الممكنات، والمتفلسفة يقولون: إنه غير فاعل بالاختيار، فلهذا قالوا بقدم معلوله، وهذا الذي قاله غلط على الطائفتين جميعا، كما قد بسطناه في موضع آخر.
فالمتكلمون الذين يقولون بامتناع مفعول قديم، يقولون: إن ذلك ممتنع على أي وجه قدر فاعله، ويقولون: كون الرب فاعلا بغير الاختيار ممتنع أيضا، وليس امتناع أحدهما مشروطا بالعلم بامتناع الآخر.
والفلاسفة القائلون بقدم الأفلاك لهم قولان في العلة الأولى: هل هي فاعلة بالاختيار أو موجبة بلا اختيار؟
[ ص: 302 ] وقد ذكر القولين عنهم
أبو البركات صاحب "المعتبر" وغيره، وهو يختار أنه فاعل بالاختيار مع قوله بقدم الفعل، وليست مسألة القدم ملازمة لمسألة الفاعل بالاختيار، لا عند هؤلاء ولا عند هؤلاء، كما ادعاه
الرازي على الطائفتين، وكذلك القول بإمكان معلول مفعول مقارن لفاعله هو قول بعض القائلين بقدم العالم، لا قولهم كلهم، ولا قول واحد من أتباع الرسل، ولا ممن يقول بأن الله خالق لما برأه محدث له. وحينئذ فالقول بتقدم الفاعل على مفعوله تقدما معقولا زمانيا -وإما مقدرا تقدير الزمان- قول جمهور العقلاء، فهذا أحد الجوابين.