وكذلك الذين
فرقوا بين الصفات الذاتية وبين المعنوية اللازمة للذات من
الكلابية وأتباعهم يعود تفريقهم إلى وضع واصطلاح وتحكم واعتبارات ذهنية، لا إلى حقيقة ثابتة في الخارج، ولهذا يضطربون في الفرق بين الصفات الذاتية والمعنوية.
فهذا يقول: إنه قديم بقدم باق ببقاء، وهذا ينازع في هذا أو في هذا.
والنافي يقول: هو عالم بذاته قادر بذاته، كما يقول هؤلاء إنه باق بذاته قديم بذاته.
وإذا أراد بذلك أن علمه من لوازم ذاته لا يفتقر إلى شيء آخر فقد
[ ص: 330 ] أصاب، وإن أراد أنه يمكن كونه حيا عالما قادرا بدون حياة وعلم وقدرة فقد أخطأ، وذاته حقيقتها هي الذات المستلزمة لهذه المعاني، فتقدير وجودها بدون هذه المعاني تقدير باطل لا حقيقة له، ووجود ذات منفكة عن جميع الصفات إنما يمكن تقديره في الأذهان لا في الأعيان، وهذه الأمور مبسوطة في موضعها.
والمقصود هنا أن
التعريف بالحدود والتعريف بالأدلة قد يتضمن إيضاح الشيء بما هو أخفى منه، وقد يكون الخفاء والظهور من الأمور النسبية الإضافية، فقد يتضح لبعض الناس أو للإنسان في بعض الأحوال ما لا يتضح لغيره أو له في وقت آخر، فينتفع حينئذ بشيء من الحدود والأدلة لا ينتفع بها في وقت آخر.
وكلما كانت حاجة الناس إلى معرفة الشيء وذكره أشد وأكثر، كانت معرفتهم به وذكرهم له أعظم وأكثر، وكانت طرق معرفته أكثر وأظهر، وكانت الأسماء المعرفة له أكثر، وكانت على معانيه أدل.
فالمخلوق الذي يتصوره الناس ويعبرون عنه أكثر من غيره تجد له من الأسماء والصفات عندهم ما ليس لغيره، كالأسد والداهية والخمر والسيف ونحو ذلك، فلكل من هذه المسميات في اللغة من الأسماء أسماء كثيرة، وهذا الاسم يدل على معنى لا يدل عليه
[ ص: 331 ] الاسم الآخر، كما يقولون في السيف: صارم ومهند وأبيض وبتار، ومن ذلك أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم وأسماء القرآن، قال النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=653268«لي خمسة أسماء أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي -الذي يمحو الله بي الكفر- وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب» وقال:
«أنا الضحوك القتال، أنا نبي الرحمة، أنا نبي الملحمة» ومن أسمائه المزمل والمدثر والرسول النبي. ومن أسماء القرآن: الفرقان والتنزيل والكتاب والهدى والنور والشفاء والبيان وغير ذلك.