الوجه الثالث: أن هذا باطل، فإنها
إذا كانت مستلزمة للوجود امتنع أن تقبل العدم، وإن كان عدمها ممكنا امتنع أن تستلزم الوجود، فدعوى المدعي أنها يمكن وجودها وعدمها، وأنها مع ذلك تستلزم الوجود لا يمكن عدمها، جمع بين المتناقضين.
وإذا قيل: هي باعتبار ذاتها يمكن وجودها وعدمها، وأما باعتبار سببها فإنه يجب وجودها.
قيل: قول القائل: هي باعتبار ذاتها يمكن وجودها وعدمها، ليس معناه أنه يجب وجودها أو عدمها، بل معناه أنها باعتبار ذاتها لا تستحق وجودا ولا عدما، بل لا بد لها من أحدهما باعتبار غيرها. والتقدير أنها موجودة، فيكون الوجود لها من غيرها واجبا، والوجود الواجب -ولو بغيره- لا يمكن عدمه، فهذه الذات الواجبة بغيرها لا يمكن عدمها بوجه من الوجوه.
[ ص: 341 ]
وهب أنه لولا السبب الموجب لها لعدمت، لكن هذا تقدير ممتنع، فإن السبب واجب الوجود بذاته، وهي من لوازمه، ولازم الواجب بذاته يمتنع عدمه، لأن عدم اللازم يوجب عدم الملزوم، فلو عدم لازم الواجب لعدم الواجب، وعدمه ممتنع، فعدم لازمه ممتنع، فكان عدم هذه الذات ممتنعا، فلا يكون عدمها ممكنا، فإن الممكن نقيض الممتنع، وإذا كان عدمها ممتنعا لم يكن ممكنا.