وإن قال القائل:
فرق بين التفات إليه بشرط «لا» أو لا [ ص: 343 ] بشرط، أو قال: بشرط عدم الموجد أو لا بشرط وجوده، فإنه ممتنع في الأول، وممكن في الثاني.
قيل له: بل هو ممتنع في القسمين. فإذا أخذ لا بشرط كان ممتنع الوجود، وكذلك إذا أخذ لا مع وجود الفاعل. وذلك أنه لا يمكن وجوده إلا بالفاعل، ووجوده بدون الفاعل ممتنع، فإذا التفت إليه لا مع لازم وجوده، كان وجوده ممتنعا، والممتنع أعم من أن يكون ممتنعا بنفسه أو بغيره، كما أن الموجود أعم من أن يكون موجودا بنفسه أو بغيره، والامتناع لا يفتقر إلى أن يقترن به شرط وهو عدم علته، بل إذا لم يقترن به سبب وجوده كان ممتنعا، والعقل يعقل امتناعه بدون ما يوجده، وإن لم يخطر له أنه قرن به عدم علته فهو في تجرده عن الاقتران بما يوجده ممتنع، كما هو في الاقتران، فعدم العلة ممتنع.
يبين ذلك أن عدم العلة لا شيء فاقترانه بعدم العلة اقتران بعدم محض، فلم تختلف حاله بين تقدير عدم هذا الاقتران وانتفائه إلا إذا قرن به ما يقتضي وجوده، وإلا فهو بدون القرين المقتضي لوجوده ممتنع معدوم. وسبب هذا أن هذا الاقتران ليس هو الموجب لعدمه في نفس الأمر، بل هو دليل على العدم، والأدلة تتعدد، والدليل لا ينعكس، فلا يلزم من عدمه عدم المدلول إلا إذا كان ملازما، فالشيء إذا أخذ مع ضده كان ممتنعا، ومع عدم فاعله كان ممتنعا، وكل من الأمرين يدل على امتناعه، وكذلك إذا أخذ بدون شرطه كان ممتنعا، وبدون لازمه
[ ص: 344 ] كان ممتنعا، والمقتضي الممكن ألزم اللوازم له وأعظم الشروط، ولا فرق بين أن يقدر مع انتفاء اللازم أو يقدر لا مع ثبوت اللازم، فالأمر سواء، هو في كليهما ممتنع إلا مع اللازم، فإن وجود الملزوم بدون اللازم ممتنع، ولهذا كل ما يقدر في الخارج فإما واجب بنفسه أو بغيره، وإما ممتنع بنفسه أو بغيره.
فإذا قيل: هو باعتبار نفسه لا واجب ولا ممتنع.
قيل: ليس في الخارج شيء لا واجب ولا ممتنع، وإنما ذاك شيء يقدر في الذهن، فيقدر في الذهن ذات يمكن وجودها وعدمها. وأنت لم تتكلم فيما يقدر في الأذهان، بل قلت: كل موجود، فجعلت التقسيم واردا على الأمور الموجودة في الخارج، وتلك إما موجودة بنفسها وإما بغيرها، وليس فيها ما يمكن الالتفات إليه مع كونه غير موجود إلا إذا كان في الذهن، مع أنه في الذهن موجود وجودا ذهنيا.