[ ص: 363 ] ثم
إن قال: هو مطلق لا بشرط، لزمه أن يصدق حمله على كل موجود، كما أن الحيوان المطلق لا بشرط يصدق عليه حمله على الإنسان والفرس وغيرهما من الحيوانات. وهذا متفق عليه بين العقلاء، فيلزم حينئذ أن يكون كل موجود واجب الوجود، إن كان واجب الوجود هو الوجود المطلق لا بشرط، كما يقوله الصدر القونوي وأمثاله من الملاحدة الباطنية: باطنية الرافضة، وباطنية الصوفية.
ومعلوم أن هذا مكابرة للحس والعقل، وهو منتهى الإلحاد في الدين. وإن قال: هو مطلق بشرط الإطلاق، كما يقوله طائفة من ملاحدة الطائفتين ممن يرفع عنه النقيضين، فهم قد قرروا في منطقهم أن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون إلا في الأذهان لا في الأعيان، ثم يلزمهم أن لا يصفوه بالوجوب، ولا بكونه علة، ولا عاقلا ولا معقولا، ولا عاشقا ولا معشوقا، لأن هذه كلها تخرج الوجود عن أن يكون مطلقا بشرط الإطلاق، وتميزه عما ليس كذلك، والمطلق لا بشرط ليس فيه اختصاص ولا امتياز.
وإن قالوا: مطلق بشرط سلب سائر الأمور الثبوتية عنه وهو الموصوف بالسلوب والإضافات دون الإثبات كما يقوله
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا [ ص: 364 ] وطائفة، فهذا مع أنه باطل من وجوه كثيرة، ليس هو مطلقا، بل موجود مقيد بقيود سلبية وإضافية، وذلك تخصيص امتاز به عن سائر الموجودات على أي وجه قدر.
ثم يقال: كل ما أشار إليه العقل من الأمور، فلا بد له من حقيقة تختص به، تميزه عما سواه كيفما كان، وكل ما هو موجود في الخارج فلا بد له من وجود يختص به يمتاز به عما سواه، فإن كان كل ما اختص بأمر يخصه يجب أن يكون له مخصص من خارج، امتنع أن يكون في الوجود موجود بنفسه، وأن تكون حقيقة من الحقائق موجودة بنفسها، وأن يكون ثم وجود واجب.
ثم يلزم التناقض والدور الممتنع والتسلسل الممتنع، فإنه
إذا افتقر كل مختص إلى مباين يخصه، فذاك الثاني، إما أن يفتقر إلى مخصص، وإما أن لا يفتقر، فإن لم يفتقر انتقضت القضية الكلية، وهو المطلوب.
وإن افتقر إلى الأول لزم الدور القبلي، وإن افتقر إلى غيره لزم التسلسل في العلل، وكلاهما ممتنع باتفاق العقلاء.
ولو قدر مقدر أنه يلزم الدور المعي، وهو أن يكون كل من المختصين موجودا مع الآخر.
[ ص: 365 ]
فيقال: فكل منهما مختص بأمر، فهو متوقف على ما اختصت به نفسه، وعلى ما اختص به الآخر، فيلزم أن يكون هناك اختصاصات، فالقول في ذلك الاختصاص كالقول في الأول.