والناطقون من أهل النظر وغيرهم إذا قصدوا المعاني فقد لا يراعون مثل هذا، بل يطلقون اسم المفعول على ما لم يعلم أن له فاعلا، فيقول أحدهم: هذا مخصوص بهذه الصفة والقدر، والمخصوص لا بد له من مخصص، فإذا أخذ المخصوص على أنه اسم مفعول فمعلوم أنه [ ص: 388 ] لا بد له من فاعل يتعدى فعله، وإذا أخذ على أن المقصود اختصاصه بذلك الوصف كان هذا مما يفتقر إلى دليل، وهذا مثل الموجود، فإنه لا يقصد به أن غيره أوجده، بل يقصد به المحقق الذي هو بحيث يوجد، فكثير من الأفعال التي بنيت للمفعول، واسم المفعول التابع لها قد كثر في الاستعمال حتى بقي لا يقصد به قصد فعل حادث له فاعل أصلا، بل يقصد إثبات ذلك الوصف من حيث الجملة.
وكثير من ألفاظ النظار من هذا الباب كلفظ الموجود والمخصوص والمؤلف والمركب والمحقق، فإذا قالوا: إن الرب تعالى المخصوص بخصائص لا يشركه فيها غيره، أو هو موجود، لم يريدوا أن أحدا غيره خصه بتلك الخصائص، ولا أن غيره جعله موجودا.
وبسبب ذلك تجد جماعات غلطوا في هذا الموضع في مثل هذه المسألة إذا قيل: الباري تعالى مخصوص بكذا وكذا، أو مختص بكذا وكذا، قالوا: فالمخصوص لا بد له ممن خصه بذلك، والمخصص لا بد له من مخصص خصصه بذلك.
والناس قد يبحثون عن اختصاص الشيء بأمور قبل بحثهم هل هي من نفسه أو من غيره، ويعلمون ويقولون إنه مخصوص بذلك، وقد خص بهذا واختص به ونحو ذلك.