وكذلك إذا قيل: كل مؤلف يفتقر إلى مؤلف، كما يستعمل مثل هذا الكلام غير واحد من الناس في نفي معان سماها مسم تأليفا وتركيبا، فجعل المستدل يستدل بمجرد إطلاق اللفظ من غير نظر إلى
[ ص: 405 ] المعنى العقلي، فيقال لمن سمى مثل هذا تركيبا وتأليفا: أتعني بذلك أن هنا شيئا فعله مركب ومؤلف؟ أو أن هنا ذاتا موصوفة بصفات؟.
أما الأول فممنوع، فإنه
ليس في خلق الله من يقول: إن صفات الله اللازمة له متوقفة على فاعل يؤلف ويركب بين الذات والصفات.
وإن عنيت الثاني فمسلم، ولا دليل لك على أن الذات القديمة الواجبة المستلزمة للصفات تفتقر إلى من يركب صفاتها فيها، فلهذا قال أبو حامد: «هذا كقول القائل: كل موجود يفتقر إلى موجد» ولو قال: «إلى واجد» لكان أقرب إلى مطابقة اللفظ.
وهذا صحيح، فإن الموجود اسم مفعول من وجد يجد فهو واجد. فإذا قال القائل: كل موجود يفتقر إلى واجد أو موجد نظرا إلى اللفظ، كان كقوله: كل مركب يفتقر إلى مركب نظرا إلى اللفظ، ولكن لفظ «الموجود» إنما يراد به ما كان متحققا في نفسه، لا يعني به ما وجده أو أوجده غيره، كما أنهم يعنون بالمركب هنا ما كان متصفا بصفة قائمة به، أو ما كان فيه معان متعددة وكثرة، لا يعنون به ما ركبه غيره، فالذي جرى لهؤلاء المغالطين في لفظ «التأليف» و«التركيب» كما جرى لأشباههم في لفظ «التخصيص» و«التقدير» فإن الباب واحد، فليتفطن اللبيب لهذا، فإنه يحل عنه شبهات كثيرة.