وكذلك
اسمه الصمد ليس في قول الصحابة: «إنه الذي لا جوف له» ما يدل على أنه ليس بموصوف بالصفات: بل هو على إثبات الصفات أدل منه على نفيها من وجوه مبسوطة في غير هذا الموضع.
وكذلك قوله:
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير [الشورى: 11]، وقوله:
هل تعلم له سميا [مريم: 65]، ونحو ذلك، فإنه لا يدل على نفي الصفات بوجه من الوجوه، بل ولا على نفي ما يسميه أهل الاصطلاح جسما بوجه من الوجوه.
وأما احتجاجهم بقولهم: الأجسام متماثلة فهذا - إن كان حقا - فهو تماثل يعلم بالعقل، ليس فيه أن اللغة التي نزل بها القرآن تطلق لفظ المثل على كل جسم، ولا أن اللغة التي نزل بها القرآن تقول: إن السماء مثل الأرض، والشمس والقمر والكواكب مثل الجبال، والجبال مثل البحار، والبحار مثل التراب، والتراب مثل الهواء، والهواء مثل الماء، والماء مثل النار، والنار مثل الشمس، والشمس
[ ص: 116 ] مثل الإنسان، والإنسان مثل الفرس والحمار، والفرس والحمار مثل السفرجل والرمان، والرمان مثل الذهب والفضة، والذهب والفضة مثل الخبز واللحم، ولا في اللغة التي نزل بها القرآن أن كل شيئين اشتركا في المقدارية بحيث يكون كل منهما له قدر من الأقدار كالطول والعرض والعمق أنه مثل الآخر، ولا أنه إذا كان كل منهما بحيث يشار إليه الإشارة الحسية يكون مثل الآخر، بل ولا فيها أن كل شيئين كانا مركبين من الجواهر المنفردة أو من المادة والصورة كان أحدهما مثل الآخر.
بل اللغة التي نزل بها القرآن تبين أن الإنسانين - مع اشتراكهما في أن كلا منهما جسم حساس نام متحرك بالإرادة ناطق ضحاك، بادي البشرة - قد لا يكون أحدهما مثل الآخر، كما قال تعالى
وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد: 38] ، فقد بين أنه يستبدل قوما لا يكونون أمثال المخاطبين، فقد نفى عنهم المماثلة مع اشتراكهم فيما ذكرناه.
فكيف يكون في لغتهم أن كل إنسان فإنه مماثل للإنسان، بل مماثل لكل حيوان، بل مماثل لكل جسم نام حساس، بل مماثل لكل جسم مولد عنصري، بل مماثل لكل جسم فلكي وغير فلكي؟
والله إنما أرسل الرسول بلسان قومه، وهم
قريش خاصة، ثم العرب عامة، لم ينزل القرآن بلغة من قال: الأجسام متماثلة حتى يحمل القرآن على لغة هؤلاء.
[ ص: 117 ]
هذا لو كان ما قالوه صحيحا في العقل، فكيف وهو باطل في العقل؟ كما بسطناه في موضع آخر، إذ المقصود هنا بيان أنه ليس لهم في نصوص الأنبياء إلا ما يناقض قولهم، لا ما يعاضده.