الجواب الرابع: أن يقال فهب أن بعض هذه النصوص قد يفهم منها مقدمة واحدة من مقدمات دليلكم، فتلك ليست كافية بالضرورة عند العقلاء، بل لا بد من ضم مقدمة أو مقدمات أخر ليس في القرآن ما يدل عليها البتة، فإذا قدر أن الأفول هو الحركة،
فمن أين في القرآن ما يدل دلالة ظاهرة على أن كل متحرك محدث أو ممكن؟ وأن الحركة لا تقوم إلا بحادث أو ممكن؟ وأن ما قامت به الحوادث لم يخل منها؟ وأن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث؟
وأين في القرآن امتناع حوادث لا أول لها؟
بل أين في القرآن أن الجسم الاصطلاحي مركب من الجواهر الفردة التي لا تقبل الانقسام، أو من المادة والصورة، وأن كل جسم فهو منقسم ليس بواحد؟
[ ص: 119 ] بل أين في القرآن أو لغة العرب، أو أحد من الأمم أن كل ما يشار إليه أو كل ما له مقدار فهو جسم؟ وأن كل ما شاركه في ذلك فهو مثل له في الحقيقة؟
ولفظ الجسم في القرآن مذكور في قوله تعالى:
وزاده بسطة في العلم والجسم [البقرة: 247] ، وفي قوله:
وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم [المنافقون: 4] .
وقد قال أهل اللغة: إن الجسم هو البدن.
قال
الجوهري في صحاحه: قال
أبو زيد: الجسم الجسد، وكذلك الجسمان والجثمان.
قال: وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي: الجسم والجسمان: الجسد.
ومعلوم أن أهل الاصطلاح نقلوا لفظ الجسم من هذا المعنى الخاص إلى ما هو أعم منه، فسموا الهواء ولهيب النار وغير ذلك جسما، وهذا لا تسميه العرب جسما، كما لا تسميه جسدا ولا بدنا.
ثم قد يراد بالجسم نفس الجسد القائم بنفسه، وقد يراد به غلظه، كما يقال: لهذا الثوب جسم.
وكذلك أهل العرف الاصطلاحي يريدون بالجسم تارة هذا، وتارة هذا، ويفرقون بين الجسم التعليمي المجرد عن المحل الذي يسمى المادة والهيولي، وبين الجسم الطبيعي الموجود.
وهذا مبسوط في موضع آخر.