وإذا قال القائل : هذا يقتضي قيام الصفات أو الحوادث به. قيل : هذا المعنى عديم التأثير ، لا هو موجب للامتناع ولا للجواز .
والمثبتون يقولون : كونه
قادرا على الفعل والكلام بنفسه صفة كمال، وكونه لا يقدر على ذلك صفة نقص ، فإن القدرة على الفعل والكلام ، مما يعلم بصريح العقل أنه صفة كمال ، وأن من يقدر أن يخلق ويتكلم ، أكمل ممن لا يقدر أن يخلق ويتكلم ، فإنه يكون بمنزلة الزمن ، ويقولون : بالطريق التي تثبت له صفات الكمال يثبت هذا ، فإن الفاعل بنفسه الذي يقدر بنفسه على الفعل من حيث هو كذلك ، أكمل ممن لا يمكنه ذلك ، كما قد بسط كلامهم في غير هذا الموضع .
وأيضا فإن أراد المريد بقوله : تقوم به الحوادث كلها ، أنه قادر على أن يمسك العالم كله في قبضته ، كما جاءت به الأخبار الإلهية فهم يجوزون ذلك ، بل هذا عندهم من أعظم أنواع الكمال ، كما قال تعالى :
وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه [سورة الزمر 67] .
[ ص: 58 ]
وقد ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ما يوافق مضمون هذه الآية
nindex.php?page=hadith&LINKID=676707وأن الله تعالى يقبض العالم العلوي والسفلي ويمسكه ويهزه ويقول أنا الملك أين ملوك الأرض؟
وفي بعض الآثار : ويدحوها كما يدحو أحدكم الكرة. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن، وما بينهن، في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم .
فإن أراد مريد بقوله: إن الحوادث كلها تقوم بذات المعنى الذي دلت عليه النصوص ، فهو حق ، وهو من أعظم الأدلة على عظمة الله ، وعظم قدره وقدرته ، وعلى فعله القائم بنفسه وفي مخلوقاته .
وإن أراد بذلك أنه يتصف بكل حادث ، فهذا يستلزم أن يتصف بالنقائص الوجودية، مثل أن يتصف بالجهل المركب الحادث ونحو
[ ص: 59 ] ذلك . وهذا ممتنع لكونه نقصا لا لكونه حادثا ، فالموت والسنة والنوم والعجز واللغوب والجهل ، وغير ذلك من النقائص، هو منزه عنها، ومقدس أزلا وأبدا، فلا يجوز أن تقوم به ، لا قديمة ولا حادثة ، لكونها نقائص تناقض ما وجب له من الكمال اللازم لذاته .
وإذا كان أحد النقيضين لازما للذات ، لزم انتفاء النقيض الآخر ، فكل ما تنزه الرب عنه من الحوادث والصفات، فهو منزه عنه، لما أوجب ذلك، لا للقدر المشترك بينه وبين ما قام به من الكمالات .
وأما السؤال الثالث، وهو قوله : "إنه لا حاجة إلى ذلك" فيقال: ليس كل ما لا تعلم الحاجة إليه يجزم بنفيه ، فإن الله أخبر أنه كتب مقادير الخلائق قبل خلقهم، ولا يعلم إلى ذلك حاجة ، وكذلك قد خلق
آدم بيده عند أهل الإثبات ، مع قدرته على أن يخلقه كما خلق غيره .