قال
nindex.php?page=showalam&ids=14552الآمدي: "الوجه الثاني أن
الكرامية موافقون على
أن القول والإرادة لا يقومان إلا بحي كالسمع والبصر، وقد وافقوا على أن الحي إذا خلا عن السمع والبصر لا يخلو عن ضده، وعند ذلك فإما أن يقولوا بأن الله يخلو عن القول الحادث والإرادة الحادثة وعن ضده ، فلا يجدون إلى الفرق بينه وبين السمع والبصر سبيلا.
[ ص: 99 ] وإن قالوا بأنه لا يخلو الرب عن القول والإرادة وعن ضده ، فلا يخلو ذلك الضد إما أن يكون قديما أو حادثا ، فإن كان الأول فيلزم من ذلك عدم الموجود القديم ضرورة حدوث ضده ، وهو محال بالاتفاق وبالدليل على ما سيأتي ، وإن كان الثاني فالكلام في ذلك الضد كالكلام في الأول، ويلزم من ذلك تعاقب الحوادث على الرب تعالى، على وجه لا يتصور خلوه عن واحد منها . والحوادث المتعاقبة لا بد وأن تكون متناهية على ما سبق في إثبات واجب الوجود ، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ضرورة" .
فيقال : ولقائل أن يقول : نظير الحادث والإرادة الحادثة عندهم التسمع الحادث والتبصر الحادث ، فإنهم يقولون : إنه عند وجود المسموعات والمرئيات تجدد ما يسمونه التسمع والتبصر ، فهذا الحادث نظير ذلك الحادث ، وعندهم أنه يخلو من وجود مثل هذا وضده العام ، بخلاف نفس السمع والبصر ، فإن ذاك عندهم بمنزلة القائلية والمريدية ، وعندهم أنه لا يخلو عن القائلية
[ ص: 100 ] والمريدية وضدها العام ، كما لا يخلو عن نفس السمع والبصر وضده العام .
فإن قيل : منهم من يفرق بين القول والإرادة، وبين التسمع والتبصر .
فيقال: قد قيل : إن هذا ليس هو المشهور عنهم . وسواء كان هو المشهور أو لم يكن ، فإنه يقال : إن كانت صورة الإلزام كصورة الوفاق، لزم خطأ من فرق بين الصورتين منهم ، وإن كان بينهما فرق مؤثر في الحكم، لزم خطأ المسوي منهم. وعلى التقديرين لا يلزم صواب المنازع لهما .
وأيضا فإنه يقال : إما أن يكون تعاقب الحوادث ممكنا ، وإما أن يكون ممتنعا ، فإن كان ممكنا كانوا أخطأوا في قولهم : يخلو عن القول والإرادة وعن ضدهما، إذ يمكن تعاقب ذلك عليه دائما . وإن كان ممتنعا، كان هذا الامتناع هو الفرق بين ذلك وبين السمع والبصر ، فإنه يمكن اتصافه في الأزل بالسمع والبصر ، دون اتصافه بالحادث من القول والإرادة .
لكن على هذا لا يلزم تناقضهم في أن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده ، فإنهم يقولون ليس هو قابلا في الأزل للاتصاف بالحوادث .
لكن يقال لهم : هذا فرع إمكان اتصافه بالحوادث، فلم قلتم إن ذلك ممكن .
[ ص: 101 ]
فيقولون : وهذا الإلزام والمعارضة فرع امتناع اتصافه بالحوادث، فلم قلتم: إن ذلك ممتنع؟
فعلم أن مثل هذا الإلزام لا ينقطع به، لا هم ولا خصومهم المسلمون لهم امتناع تسلسل الحوادث .
وأما من يقول: إنه يمكن تسلسل الحوادث فإنه يبين خطأهم في هذا التفريق، ويقول : إذا كان الحي لا يخلو عما يقبله وعن ضده ، والرب تعالى قابل للاتصاف بالقول والإرادة ، لزم أن لا يخلو عن ذلك وعن ضده لكن ضده صفة نقص، كضد السمع والبصر ، فيلزم أنه ما زال متصفا بالقول والإرادة ، والاتصاف بنوع ذلك ممكن .
ولهم جواب ثالث عما ذكره من الإلزام ، وهو أن يقال : نحن قلنا: الحي القابل لهذا لا يخلو عنه وعن ضده العام ، الذي يدخل فيه عدم هذه الصفات . لم نقل: إنه لا يخلو عنه وعن ضد وجودي ، فإن هذا ليس قولنا ، فإن القابل للشيء ولضده الوجودي قد يخلو عنهما عندنا .
ولكن
الأشعرية يقولون : إن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده الوجودي . وإذا كان كذلك ، فضد القول والإرادة عدم ذلك ، فلا يقال : القول في ضد ذلك كالقول فيه ، ويلزم تسلسل الحوادث ، لأن ضد ذلك عدم ، والعدم لا يفتقر إلى فاعل عندنا ،
[ ص: 102 ] ولا يضر عدم الشيء في الأزل، ووجوده فيما لا يزال كالأفعال المحدثة .
وهذا جواب محقق لهم . لكنه لا يتم إلا بأن يكون عدم القول والإرادة في الأزل ليس صفة نقص .
وقولهم في ذلك كقول
المعتزلة، وهم خير من
المعتزلة من وجهين :
من جهة أنهم يجعلون القول والإرادة قائمة بذاته، وهذا بحث آخر لا يختص بهذه المسألة .
ومن جهة أنهم يثبتون مشيئة أزلية وقابلية أزلية .
وأيضا فما ادعاه من أنه أثبت أن الحوادث لا بد وأن تكون متناهية ليس كما ذكر . وقد عرف الكلام فيما ذكر هو وغيره، وضعف ذلك .