وجماع ذلك أن الحقائق : إما أن تكون متماثلة ، وإما أن لا تكون . وإذا لم تكن متماثلة : فإما أن يمكن اجتماعها في محل واحد في زمن واحد ، وإما أن لا يمكن ، فالأولى المختلفة التي ليست بمتضادة ، كالعلم والقدرة ، وكالطعم واللون ، والثاني المتضادة ، كالسواد والبياض ، وكالعجز مع القدرة ، كالعلم بمعلومات والقدرة على مقدورات، والإرادة لمرادات ليست هي متضادة ، بل يمكن اجتماع
[ ص: 132 ] ذلك ، لكن قد يضيق عنه المحل ، كما يضيق قلب العبد عن اجتماع أمور كثيرة من ذلك ، [وإن كان قد يجتمع في قلبه من ذلك] ما يسعه قلبه .
والقلوب تختلف أيضا بذاتها ، ولهذا يمكن بعض الناس أن يقرأ ويفعل بيده ورجله، وآخر لا يمكنه ذلك ، كما يمكن هذا الحركة القوية الشديدة ، والآخر لا يمكنه ذلك ، ويمكن هذا أن يرى ويسمع من المختلفات ما لا يمكن الآخر رؤيته أو سماعه .
وإذا كان كذلك فالكلام في الصوت في شيئين : أحدهما : [في بقائه وقدمه كما] في بقاء الحركة وقدمها ، ولا ريب في إمكان بقاء نوع الصوت والحركة ، بمعنى حدوث الحركة والصوت شيئا فشيئا، كحركة الفلك والكواكب .
وأما
إمكان قدم نوع الصوت والحركة، ففيه قولان مشهوران للنظار:
فالجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم تنكر إمكان قدم ذلك، وكثير من أئمة أهل الحديث والفقه والتصوف والفلاسفة يجوزون قدم ذلك، ومنهم من يجوز قدم نوع الصوت لا نوع الحركة .
وأما بقاء الصوت المعين والحركة المعينة فجمهور العقلاء يحيلون بقاء ذلك وقدمه ، بل امتناع قدم ما يمتنع بقاؤه أولى، فإن ما وجب قدمه
[ ص: 133 ] وجب بقاؤه وامتنع عدمه ، ومن الناس من جوز بقاء الصوت المعين والحركة المعينة، وبعض هؤلاء جوز قدم الصوت المعين .
ولا فرق بين الحركة والصوت، وأما الحروف المنطوق بها فالناس متنازعون : هل هي طرف للصوت؟ أم يمكن وجود حروف منظومة بلا صوت؟ على قولين .
وإذ قيل : لا يمكن وجود حرف منطوق به إلا بصوت ، فالحرف قد يعبر به عن نهاية الصوت وتقطعه ، وقد يعبر به عن نفس الصوت المقطع ، كما يعبر بلفظ الحرف عن الحرف المكتوب ، ويراد به [مجرد] الشكل تارة مجردا عن المادة، ويراد به مجموع المادة والشكل ، وهو المداد المصور .
والمسألة الثانية : أن الأصوات المتنوعة سواء قيل بوجوب تعاقبها شيئا بعد شيء، أو قيل بإمكان بقاء الصوت المعين : هل تقوم بالصائت الواحد ، إذا كان محل هذا الصوت ليس هو بعينه محل هذا الصوت، وإن كان الصائت واحدا؟
ولا ريب أن هذا أولى من قيام الحركات المتنوعة بالمتحرك الواحد ، إذا قامت كل حركة بمحل غير محل الأخرى .
وأما اجتماع الصوتين والحركتين في محل واحد فهو متعذر للتضاد عند أكثر العقلاء، أو لضيق المحل عند بعضهم ، كاجتماع العلمين
[ ص: 134 ] والقدرتين والإرادتين المختلفتين والإدراكين ، ثم إذا قدر أن محل هذه الصفات لا يكون إلا جسما ، فيبقى الكلام في الجسم: هل هو مركب من الجواهر المنفردة؟ أو من المادة والصورة؟ أو لا من هذا ولا من هذا؟