الوجه الخامس :
أنا لا نسلم الحصر فيما ذكروه من الأقسام بتقدير انقسام الجسم ، بل من الممكن أن يقال : قام كل جزء من أجزاء هذه الصفات بجزء من أجزاء الموصوف، وكل جزء منه متصف بجزء من الصفة .
وهذا التقسيم غير ما ذكره من الأقسام ، ليس فيه اتصاف كل جزء بجميع الصفة ، ولا المتصف بجميعها بعض الجملة ، ولا كل جزء مختصا بجميع صفته ، ولا قيام واحد بمتعدد .
فإن قال : الصفة لا تنقسم ومحلها ينقسم .
قيل : هذه مكابرة للحس والعقل ، بل انقسامها بانقسام محلها. يبين هذا أن من أعظم عمد مثبتي الجوهر الفرد قولهم : إن الحركة قائمة بالجسم ، والزمان مقدار الحركة ، والزمان فيه الآن الذي لا ينقسم ، فلا ينقسم قدره من الحركة ، فلا ينقسم الجزء الذي يحلها ، فإنما استدلوا على وجود الجزء الذي لا ينقسم [إلا] بوجود جزء من الحركة لا ينقسم ، فعلم أن انقسام الحال عندهم كانقسام محله، مع أن هذا معلوم بالحس والعقل .
[ ص: 193 ]
وكذلك المتفلسفة القائلون بأن النفس الناطقة ليست جسما : عمدتهم أنه يقوم بها ما لا ينقسم ، وما لا ينقسم إلا بما لا ينقسم ، فقد اتفقت الطوائف على أن الصفة إذا لم تنقسم كان محلها لا ينقسم .