فإن قال الملحد: أنا أنفي الأسماء والصفات.
قيل له: إما أن تقر بأن هذا العالم المشهود مفعول مصنوع، له صانع فاعله، أو تقول: إنه قديم أزلي واجب الوجود بنفسه غني عن الصانع.
[ ص: 129 ]
فإن قلت بالأول فصانعه، إن قلت: هو جسم فقد وقعت فيما نفيته، وإن قلت: ليس بجسم، فقد أثبت فاعلا صانعا للعالم ليس بجسم، وهذا لا يعقل في الشاهد.
فإذا أثبت خالقا فاعلا ليس بجسم، وأنت لا تعرف فاعلا إلا جسما، كان لمنازعك أن يقول: هو حي عليم ليس بجسم، وإن كان لا يعرف حيا عليما إلا جسما، بل لزمك أن تثبت له من الصفات والأسماء ما يناسبه.
وإن قال الملحد: بل هذا العالم المشهود قديم واجب بنفسه غني عن الصانع، فقد أثبت واجبا بنفسه قديما أزليا هو جسم، حامل للأعراض، متحيز في الجهات، تقوم به الأكوان، وتحله الحوادث والحركات، وله أبعاض وأجزاء، فكان ما فر منه من إثبات جسم قديم قد لزمه مثله وما هو أبعد منه، ولم يستفد بذلك الإنكار إلا جحد الخالق، وتكذيب رسله، ومخالفة صريح المعقول، والضلال المبين الذي هو منتهى ضلال الضالين وكفر الكافرين.
فقد تبين أن
قول من نفى الصفات أو شيئا منها لأن إثباتها تجسيم قول لا يمكن أحدا أن يستدل به، بل ولا يستدل أحد على تنزيه الرب عن شيء من النقائص بأن ذلك يستلزم التجسيم، لأنه لا بد أن يثبت شيئا يلزمه فيما أثبته نظير ما ألزمه غيره فيما نفاه، وإذا كان اللازم في الموضعين واحدا، وما أجاب هو به، أمكن المنازع له أن يجيب بمثله، لم يمكنه أن يثبت شيئا وينفي شيئا على هذا
[ ص: 130 ] التقدير، وإذا انتهى إلى التعطيل المحض كان ما لزمه من تجسيم الواجب بنفسه القديم أعظم من كل تجسيم نفاه، فعلم أن مثل هذا الاستدلال على النفي بما يستلزم التجسيم لا يسمن ولا يغني من جوع.