ثم إنه لم يحتج على الصفاتية إلا بحجتين: إحداهما: أنه لو كان له علم، لكان علمه مثل علمنا، والمثلان لا يكون أحدهما محدثا والآخر قديما.
والثانية: أن كونه عالما قادرا واجب، والصفة إذا كانت واجبة استغنت بوجوبها عن معنى يوجبها، فقد سمى ذلك صفة. وهذه الحجة إنما تلزم مثبتة الحال، وهم يقولون يعلل الواجب بالواجب، وأما الأولى ففسادها ظاهر جدا، لا سيما
وأبو الحسين لا يسلم لهم أن الواحد منا عالم لمعنى، ولهذا عدل عن طريقتي شيوخه المذكورتين في
نفي الصفات إلى طريقة ثالثة أضعف منهما، فقال: إنه لا طريق إلى إثبات هذه المعاني،
[ ص: 44 ] وما لا طريق إليه لا يجوز إثباته، فكان مضمون كلامه نفي الشيء لانتفاء دليله، وهذا في غاية الفساد، فإن الدليل لا ينعكس، ولا يلزم متى انتفى الدليل على الشيء انتفاؤه في نفس الأمر، بل النافي عليه الدليل على نفي ما نفاه]، كما على المثبت الدليل على ثبوت ما أثبته، ومن ليس عنده دليل على النفي والإثبات، فعليه أن لا ينفي ولا يثبت، فغاية ما عنده التوقف في نفي ذلك وإثباته. يبين ذلك أنه ذكر في حجة أهل الإثبات أن الواحد منا عالم لمعنى لا يكون عالما إلا به، فوجب مثل ذلك للباري سبحانه وتعالى.
قال: "والجواب: يقال لهم: ولم وجب أن يكون حكم الباري حكمنا في ذلك؟ أو ليس الواحد منا عالما بقلب وبعلم محدث، وليس كذلك الباري سبحانه وتعالى؟ فما أنكرتم أن يكون الواحد منا عالما لمعنى، ويكون الباري عالما لذاته، على أن الواحد منا عالم لا لمعنى، وإن لم يكن ذلك مذهب أصحاب
أبي هاشم، وقد فرق أصحاب
أبي هاشم بين الواحد منا وبين الباري تعالى في ذلك، فقالوا: الواحد منا علم مع جواز أن لا يعلم، فلم يجز أن يكون عالما إلا لمعنى
[ ص: 45 ] يرجح به كونه عالما على كونه غير عالم، والباري تعالى علم الأشياء ويستحيل أن لا يعلمها، فلم يحتج إلى معنى يترجح به كونه عالما على كونه غير عالم".