قال في "الإشارات": كل أشياء تختلف بأعيانها وتتفق في أمر مقوم لها: فإما أن يكون ما تتفق فيه لازما من لوازم ما تختلف فيه، [ ص: 88 ] فيكون للمختلفات لازم واحد، وهذا غير منكر. وإما أن يكون ما تختلف فيه لازما لما تتفق فيه، فيكون الذي يلزم الواحد مختلفا متقابلا، وهذا منكر. وإما أن يكون ما تتفق فيه عارضا عرض لما تختلف [فيه]، وهذا غير منكر. وإما أن يكون ما تختلف فيه عارضا عرض لما تتفق فيه، وهذا أيضا غير منكر".
قال الشارحون لكلامه: كل شيئين فلا بد أن يكونا متخالفين في هويتهما وتشخصهما، لأن تشخص هذا لو كان حاصلا لذاك، لكان هذا ذاك لا غيره، والأشياء قد تكون متوافقة في شيء من المقومات، كالأشخاص الداخلة تحت نوع واحد، والأنواع الداخلة تحت جنس، وقد لا تكون متوافقة في شيء من المقومات، كالأجناس العالية، فإنها لا تكون متوافقة في شيء من المقومات، وإن كانت ربما توافقت في شيء من الصفات العرضية.
وإذا كان كذلك، فإذا اتفقت في أمر مقوم لها، كان ما به الاختلاف مغايرا لما به الاشتراك لا محالة، فتكون هوية كل واحد منهما مركبة مما به شارك الآخر، ومما به امتاز عن الآخر، وعند ذلك فإما أن يكون ما به الاشتراك لازما لما به الاختلاف أو بالعكس، أو يكون ما به الاشتراك عارضا لما به الاختلاف أو بالعكس.
فأما الأول فهو غير منكر، كفصول الأنواع الداخلة تحت جنس، فإن طبيعة ذلك الجنس لازمة لطبائع تلك الفصول، وكالوجود
[ ص: 89 ] والوحدة اللازمين للمقولات، والتماثل والاختلاف والتضاد والتغاير اللوازم للحقائق الكثيرة المختلفة، فإن السواد والبياض وإن كانا مختلفين لكنهما مشتركان في كون كل منهما ضد الآخر.
وأما الثاني، وهو كون ما به الاختلاف لازما لما به الاشتراك فهو محال، كالناطق مع الحيوان لو كان لازما له لكان كل حيوان ناطقا.
وأما الثالث والرابع فهما جائزان.
قلت: وهذا الكلام مبني على أصول سلمها لهم من لم يفهمها، مثل كلامهم في الفرق بين الذاتيات المقومة والعرضية اللازمة، وكلامهم في تركب الأنواع من الأجناس والفصول ونحو ذلك.