قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد "باب
بيان ما أنكرت الجهمية من أن يكون الله كلم موسى"، فقلنا: لم أنكرتم ذلك؟ قالوا: إن الله لم
[ ص: 158 ] يتكلم، ولا يتكلم، إنما كون شيئا يعبر عن الله، وخلق صوتا فأسمع، وزعموا أن الكلام لا يكون إلا من جوف وشفتين ولسان.
فقلنا: هل يجوز لمكون، أو غير الله، أن يقول:
يا موسى إني أنا ربك [سورة طه: 11- 12] أو يقول:
إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني [سورة طه: 14] فمن قال ذلك زعم أن غير الله ادعى الربوبية، ولو كان، كما زعم الجهمي أن الله كون شيئا كان يقول ذلك المكون: يا موسى إن الله رب العالمين".
إلى أن قال: "فكيف يصنعون بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش، عن
خيثمة، عن
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=656889ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه.. الحديث وأما
[ ص: 159 ] قوله إن الكلام لا يكون إلا من جوف وشفتين ولسان، أليس الله قد قال للسماوات والأرض:
ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين [سورة فصلت: 11] أتراها قالت بجوف وفم وشفتين وأدوات؟
وقال تعالى:
وسخرنا مع داود الجبال يسبحن [سورة الأنبياء: 79] أتراها أنها تسبحن بجوف وفم وشفتين ولسان؟ والجوارح إذا شهدت على الكفار فقالوا:
لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء [سورة فصلت 21]، أتراها نطقت بجوف وفم وشفتين؟ ولكن الله أنطقها كيف شاء".
إلى أن قال: "فلما خنقته الحجج قال: إن الله كلم
موسى، إلا أن كلامه غيره، فقلنا، وغيره مخلوق؟ قالوا: نعم. فقلنا: هذا مثل قولكم الأول، إلا أنكم تدفعون عن أنفسكم الشنعة. وحديث
[ ص: 160 ] nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري قال: لما سمع
موسى كلام ربه، قال: يا رب هذا الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا
موسى هو كلامي، وإنما كلمتك بقوة عشر آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك، وإنما كلمتك على قدر ما يطيق بدنك، ولو كلمتك بأكثر من ذلك لمت.
قال: فلما رجع
موسى إلى قومه، قالوا له: صف لنا كلام ربك. فقال: سبحان الله! وهل أستطيع أن أصفه لكم؟ قالوا: فشبهه. قال: هل سمعتم أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها؟ فكأنه مثله.
وقلنا
للجهمية: من القائل للناس يوم القيامة
يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين [سورة المائدة: 116]، أليس الله هو القائل؟ قالوا: يكون الله شيئا، فيعبر عن الله، كما كون شيئا فعبر
لموسى. قلنا: فمن القائل:
فلنسألن الذين أرسل إليهم الآية [سورة الأعراف: 6]. أليس هو الله تعالى؟ قالوا: هذا كله إنما يكون شيء فيعبر عن الله. فقلنا: قد أعظمتم
[ ص: 161 ] على الله الفرية حين زعمتم أنه لا يتكلم، فشبهتموه بالأصنام، لأن الأصنام لا تتكلم ولا تتحرك، ولا تزول من مكان إلى مكان.
فلما ظهرت عليه الحجة قال: إن الله قد يتكلم، ولكن كلامه مخلوق، قلنا: وكذلك بنو آدم كلامهم مخلوق، فقد
شبهتم الله تعالى بخلقه، حين زعمتم أن كلامه مخلوق، ففي مذهبكم كان في وقت من الأوقات لا يتكلم حتى خلق الكلام. وكذلك بنو آدم كانوا لا يتكلمون حتى خلق لهم كلاما، فقد جمعتم بين كفر وتشبيه، فتعالى الله عن هذه الصفة! بل نقول: إن الله لم يزل متكلما إذا شاء، ولا نقول: إنه كان ولا يتكلم حتى خلق [الكلام]، ولا نقول: إنه كان لا يعلم حتى خلق علما فعلم".