قلت: هذا بناء على أصل تلقوه من
المعتزلة، وهو أن الجواهر والأجسام متماثلة، بخلاف الأعراض، فإنها قد تختلف وقد تتماثل.
وحقيقة هذا القول أن الأجسام متماثلة من كل وجه، لا تختلف من وجه دون وجه، بل الثلج مماثل للنار من كل وجه، والتراب مماثل للذهب من كل وجه، والخبز مماثل للحديد من كل وجه، إذ كانا متماثلين في صفات النفس عندهم.
وهذا القول فيه [من] مخالفة الحس والعقل ما يستغنى به عن بسط الرد على صاحبه، بل أصل دعوى تماثل الأجسام من أفسد الأقوال، بل القول في تماثلها واختلافها كالقول في تماثل الأعراض واختلافها، فإنها تتماثل تارة وتختلف أخرى. وتفريقهم بين الصفات النفسية والمعنوية اللازمة للمعين، يشبه تفريق أهل المنطق بين الصفات الذاتية واللازمة للماهية، وكلاهما قول فاسد لا حقيقة له، بل قول هؤلاء أفسد من قول أهل المنطق.
وإذا وقع الكلام في جسم مطلق، وجوهر مطلق، فهذا لا وجود له في الخارج، وإن وقع في الوجود من الأجسام: كالنار، والماء،
[ ص: 193 ] والتراب، والإنسان، والفرس، والذهب، والبر والتمر، فكل جسم من هذه الأجسام له صفات نفسية لازمة له، لا تزول إلا باستحالة نفسه.
فدعوى المدعي أنه ليس له من الصفات النفسية إلا التحيز، وقبول العرض، والقيام بالنفس، أفسد من قول أهل المنطق، فإن أولئك جعلوا مثلا كون الحيوان حساسا متحركا بالإرادة من الصفات الذاتية، وهؤلاء لم يجعلوا له صفة نفسية إلا كونه جسما.
والتحيز وقبول العرض والقيام بالنفس أمر تشترك فيه الأجسام كلها، والأمور المختلفة تشترك في لوازم كثيرة، كاشتراك الألوان المختلفة في اللونية والعرضية، ليس حقيقة النار مجرد كونها متحيزة، قابلة للعرض، قائمة بالنفس، بل هذا من لوازمها.