والمقصود أن
قول من يقول: إن هذه المخلوقات التي يخلقها الله بعضها من بعض، ليس خلقه لها إلا تغيير صفاتها، وأن حقيقة كل شيء جواهر أصلية متماثلة باقية، لا تتغير حقيقتها أصلا، ولكن تكثر تلك الأجزاء وتقل - كلام لا حقيقة له، وهو متضمن أمورا باطلة: إثبات جواهر قائمة بأنفسها مخلوقة وراء هذه الأعيان المشهودة وذاك باطل لا حقيقة له.
وإثبات هؤلاء لهذه الجواهر الحسية من جنس إثبات آخرين لجواهر عقلية قائمة بأنفسها، وراء هذه الأعيان المشهودة، يسمونها المادة والصورة، وإثبات أن هذه الجواهر متماثلة، والأعيان المشهودة متماثلة، وهو أمر لا حقيقة له.
فدعوى أن خلق الله لمخلوقاته، من الحيوان والنبات والمعدن، ليس إلا إحداث أعراض وصفات، ليس فيه خلق لأعيان قائمة بنفسها، ولا إحداث لأجسام وجواهر قائمة بنفسها، كما تحرك الرياح والمياه، وتفرق الماء في مجاريه، وهو أيضا من أبطل الباطل.
وهذا من أعظم ضلال هؤلاء، حيث عمدوا إلى ما هو من أعظم آيات الرب، الدالة الشاهدة بوجوده وقدرته ومشيئته، وعلمه
[ ص: 203 ] وحكمته ورحمته، أنكروا وجودها بالكلية، وادعوا أنه ليس في ذلك إبداع عين، ولا خلق شيء قائم بنفسه، وإنما هو إحداث أعراض، والواحد منا يقدر على إحداث بعض الأعراض، ثم اقتصروا في ذلك على مجرد إحداث أعراض وصفات.