ثم أرادوا أن يثبتوا إبداعه لجميع الأعيان، بأن ادعوا وجود جواهر منفردة لا حقيقة لها، وادعوا في الأعيان المختلفات تماثلا لا حقيقة له.
ثم أرادوا أن يثبتوا حدوث هذه الجواهر بمجرد قيام الأعراض أو الحركات بها، وذلك من أبعد الأشياء عن الدلالة على المطلوب، فاحتاجوا إلى تلك المقدمات الباطلة التي ناقضوا بها عقول العقلاء، وكذبوا بها ما جاءت به الرسل من الأنباء، واحتاجوا أن ينفوا حقيقة الرب بعد أن نفوا حقيقة مخلوقاته، وآل الأمر بهم: إما إلى نفي صفاته أيضا، وإما إلى إثبات صفات لا موصوف لها، كما لم يثبتوا من آياته إلا ما يحدث من صفات الأشياء.
ومن تدبر هذا كله وتأمله، تبين له أن
ما جاء به القرآن من بيان آيات الرب، ودلائل توحيده وصفاته، هو الحق المعلوم بصريح المعقول، وأن هؤلاء خالفوا القرآن في أصول الدين: في دلائل المسائل، وفي نفس المسائل، خلافا خالفوا به القرآن والإيمان، وخالفوا به صريح عقل الإنسان، وكانوا في قضاياهم التي يذكرونها في خلاف ذلك أهل كذب وبهتان، وإن لم يكونوا متعمدين الكذب، بل التبس عليهم ما ابتدعوه من الهذيان.