وحينئذ فنقول:
الوجه الرابع والعشرون
إنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن
الرجل لو قال للرسول: هذا القرآن أو الحكمة الذي بلغته إلينا قد تضمن أشياء كثيرة تناقض ما علمنا بعقولنا، ونحن إنما علمنا صدقك بعقولنا، فلو قبلنا جميع ما تقوله،
[ ص: 215 ] مع أن عقولنا تناقض ذلك، لكان ذلك قدحا فيما علمنا به صدقك، فنحن نعتقد موجب الأقوال المناقضة لما ظهر من كلامك، وكلامك نعرض عنه، لا نتلقى منه هدى ولا علم - لم يكن مثل هذا الرجل مؤمنا بما جاء به الرسول، ولم يرض الرسول منه بهذا، بل يعلم أن هذا لو ساغ، لأمكن كل أحد أن لا يؤمن بشيء مما جاء به الرسول، إذ العقول متفاوتة، والشبهات كثيرة، والشيطان لا يزال يلقي الوساوس في النفوس، فيمكن حينئذ أن يلقي في قلب غير واحد من الأشخاص، ما يناقض عامة ما أخبر به الرسول وما أمر به.
وقد ظهر ذلك في
القرامطة الباطنية، الذين ردوا عامة الظاهر الذي جاء به من الأمر والخبر، وزعموا أن العقل ينافي هذا الظاهر الذي بينه الرسول.
ثم قد يقولون: الظاهر خطاب للجمهور والعامة، حتى يصل الشخص إلى معرفة الحقيقة التي يزعمون أنها تناقض ما بينه الرسول، وحينئذ تسقط عنه طاعة أمره، ويسوغ له تكذيب خبره.
ومن المعلوم لعامة المسلمين أن قول
الباطنية، الذي يتضمن مخالفة الرسول، معلوم الفساد بالضرورة من دين الإسلام.
وكذلك ما أخبر به في المعاد، قد قال متكلمة المسلمين: إن قول
الفلاسفة المناقض لذلك معلوم الفساد بالاضطرار من دين الإسلام.
وهكذا
ما أخبر به الرسول من أسماء الله وصفاته، يعلم أهل الإثبات أن قول النفاة فيه معلوم الفساد بالضرورة من دين الإسلام. [ ص: 216 ]
وأصل هذا الإلحاد معارضة ما جاءت به الأنبياء بالعقول والآراء.