وأما الخطأ الثاني فيأتون إلى نصوص صحيحة دالة على معان دلالة بينة، بل صريحة قطعية، كأحاديث الرؤية ونحوها، مما فيه
إثبات الصفات، فيقولون: هذه تحتاج إلى التأويل كتلك، وقد تبين استغناء كل من الصنفين عن التحريف، وأن التفسير الذي به يعرف الصواب
[ ص: 240 ] قد ذكر ما يدل عليه في نفس الخطاب: إما مقرونا به، وإما في نص آخر.
ولهذا لما لم يكن لهم قانون قويم، وصراط مستقيم، في النصوص لم يوجد أحد منهم يمكنه التفريق بين النصوص التي تحتاج إلى تأويل والتي لا تحتاج إليه، إلا بما يرجع إلى نفس المتأول المستمع للخطاب، لا بما يرجع إلى نفس المتكلم بالخطاب، فنجد من ظهر له
تناقض أقوال أهل الكلام والفلاسفة، nindex.php?page=showalam&ids=14847كأبي حامد وأمثاله، ممن يظنون أن في طريقة التصفية نيل مطلوبهم، يعولون في هذا الباب على ذوقهم وكشفهم، فيقولون: إن ما عرفته بنور بصيرتك فقرره، وما لم تعرفه فأوله.
ومن ظن أن في كلام المتكلمين ما يهدي إلى الحق، يقول: ما ناقض دلالة العقل وجب تأويله، وإلا فلا.
ثم المعتزلي - والمتفلسف الذي يوافقه - يقول: إن العقل يمنع إثبات الصفات وإمكان الرؤية.
ويقول المتفلسف الدهري: إنه يمنع إثبات معاد الأبدان وإثبات أكل وشرب في الآخرة، ونحو ذلك.
فهؤلاء، مع تناقضهم، لا يجعلون الرسول نفسه نصب في خطابه
[ ص: 241 ] دليلا يفرق به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، بل يجعلون الفارق هو ما يختلف باختلاف الناس من أذواقهم وعقولهم.
ومعلوم أن هذا نسبة للرسول إلى التلبيس وعدم البيان، بل إلى كتمان الحق وإضلال الخلق، بل إلى التكلم بكلام لا يعرف حقه من باطله، ولهذا كان حقيقة أمرهم الإعراض عن الكتاب والرسول، فلا يستفيدون من كتاب الله وسنة رسوله شيئا من معرفة صفات الله تعالى، بل الرسول معزول عندهم عن الإخبار بصفات الله تعالى نفيا وإثباتا، وإنما ولايته عندهم في العمليات - أو بعضها - مع أنهم متفقون على أن مقصوده العدل بين الناس وإصلاح دنياهم.
ثم يقولون: مع ذلك: إنه أخبرهم بكلام عن الله وعن اليوم الآخر: صار ذلك الكلام سببا للشر بينهم والفتن والعداوة والبغضاء، مع ما فيه عندهم من فساد العقل والدين، فحقيقة أمرهم أنه أفسد دينهم ودنياهم. وهذا مناقض لقولهم: إنه أعقل الخلق وأكملهم، أو من أعقلهم وأكملهم، وأنه قصد العدل ومصلحة دنياهم.