والاعتبار والقياس نوعان: قياس الطرد، وقياس العكس.
فقياس الطرد اعتبار الشيء بنظيره، حتى يجعل حكمه مثل حكمه.
وقياس العكس اعتبار الشيء بنقيضه، حتى يعلم أن حكمه نقيض حكمه.
وقوله تعالى:
فاعتبروا يا أولي الأبصار [سورة الحشر: 2] ، يتناول الأمرين، فيعتبر العاقل بتعذيب الله لمن كذب رسله، كما فعل
ببني النضير، حتى يرغب في نقيض ذلك، ويرهب من نظير ذلك، فيستعمل قياس الطرد في الرهبة، وقياس العكس في الرغبة.
ومن أمثلة قياس العكس: قياس من يحتج على أن الوتر ليس بواجب، فإنه يفعل على الراحلة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
[ ص: 260 ]
والواجبات لا تفعل على الراحلة، والنوافل تفعل على الراحلة، فلما كان مفعولا على الراحلة، كان حكمه عكس حكم الفرائض، ونقيض حكم الفرائض، ومثل حكم النوافل، فيقاس بالواجبات قياس العكس، وبالنوافل قياس الطرد.
وكذلك إذا قيل: دم السمك طاهر، لأنه لو كان نجسا لوجب سفحه بالتذكية، لأن الدماء النجسة يجب سفحها بالتذكية، فلما لم يجب سفحه، كان حكمه نقيض حكمها، وكان ملحقا بالرطوبات الطاهرة التي لا تسفح.
وفي الحقيقة فكل قياس يجتمع في قياس الطرد والعكس،
فقياس الطرد هو الجمع والتسوية بينه وبين نظيره، وقياس العكس هو الفرق والمخالفة بينه وبين مخالفه. فالقايس المعتبر ينظر في الشيء فيلحقه بما يماثله لا بما يخالفه، ويبين له حكمه في اعتباره بهذا وهذا.