والمتلازمان يلزم من ثبوت كل منهما ثبوت الآخر، ومن انتفائه انتفاؤه، فكيف يمكن أن يكون المتلازمان متعارضين متنافيين متناقضين، أو متضادين؟
ولفظ التنافي والتضاد والتناقض والتعارض ألفاظ "متقاربة" في أصل اللغة، وإن كانت تختلف فيها الاصطلاحات، فكل مضاد فهو مستلزم للتناقض اللغوي.
ولهذا يسمي أهل اللغة أحد الضدين نقيض الآخر، وكل تعارض فهو
[ ص: 272 ] مستلزم للتناقض اللغوي، لأن أحد الضدين ينقض الآخر، أي يلزم من ثبوته عدم الآخر، كما يلزم من ثبوت السواد انتفاء البياض.
والنقيضان، في اصطلاح كثير من أهل النظر، هما اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان، والضدان لا يجتمعان لكن قد يرتفعان.
وفي [اصطلاح] آخرين منهم هما: النفي والإثبات فقط، كقولك، إما أن يكون، وإما أن لا يكون.
ولهذا يقولون: التناقض اختلاف قضيتين بالسلب والإيجاب، على وجه يلزم من صدق إحداهما كذب الأخرى، فالتناقض في عرف أولئك أعم منه في عرف هؤلاء، فإن ما لا يجتمعان ولا يرتفعان قد يكونان ثبوتيين، وقد يكونان عدميين، وقد يكونان ثبوتا وانتفاء، ولو كان أحدهما وجودا والآخر عدما، فقد يعبر عنهما بصيغة الإثبات التي لا تدل بنفسها على التناقض الخاص، كما إذا قيل للموجود: إما أن يكون قائما بنفسه، وإما أن يكون قائما بغيره، وإما أن يكون واجبا بنفسه، وإما أن يكون ممكنا بنفسه، وإما أن يكون قديما، وإما أن يكون محدثا، ونحو ذلك.
فمن المعلوم أن
تقسيم الموجود إلى قائم بنفسه وغيره، وواجب وممكن، وقديم ومحدث، تقسيم حاصر كتقسيم المعلوم إلى الثابت والمنفي.
وهذان القسمان لا يجتمعان ولا يرتفعان، كما أن الوجود والعدم لا يجتمعان ولا يرتفعان.
[ ص: 273 ]
وأما أهل اللغة فالنقيضان عندهم أعم من هذا كله، كالمتنافيين، فكل ما نفى أحدهما الآخر فقد نقضه وأزاله وأبطله، فيسمونه نقيضه.