الوجه الخامس: أن يقال: لا ريب أن
النصوص دلت على إثبات الصفات والأفعال لله تعالى، ولم تتعرض للجسم بنفي ولا إثبات، والنفاة إنما ينفون ما ينفونه بناء على أن الإثبات يستلزم كون الموصوف جسما، والعقل ينفي أن يكون جسما، وأدلتهم على نفي الجسم إما دليل الإمكان، وإما دليل الحدوث، فليس لهم ما يخرج عن هذا.
[ ص: 299 ]
وحينئذ فيقال: إما أن يقال: وهذا إثبات ما أثبته الدليل الشرعي من الصفات والأفعال، موجب لكون الموصوف بذلك ممكنا وحادثا، وأن استلزام ذلك للحدوث أو الإمكان معلوم بالأدلة العقلية، كما يقول النفاة - وإما أن لا يقال ذلك.
فإن لم يقل ذاك، أو قيل: ليس في الأدلة العقلية ما يدل على ذلك، لم يكن معارضا.
وإن قيل: بل ذلك يدل في العقل على أن الموصوف ممكن أو حادث، فحينئذ إما أن نفسد ذلك الدليل المعارض على وجه التفصيل، وإما أن يقال: قد علم بالعقل صدق الرسول، وعلم أنه أثبت هذه الصفات والأفعال، فالنافي لها لا يجوز أن يكون دليلا صحيحا، لأن تعارض الأدلة الصحيحة ممتنع، وحينئذ فكل من كان أعلم بدلالة الشرع على الإثبات وبضعف أدلة النفاة كان أعلم بهذا الكلام، فيكون العلم بفساد هذه المعارضات، تارة بطريق إجمالي، وتارة بطريق تفصيلي، كما يعلم فساد الحجج السوفسطائية، فإن من علم الشيء علما يقينيا علم قطعا فساد ما يناقضه، وإن لم يعلم تفصيل فساد تلك الحجج، فمن علم صدق الرسول وأنه أخبر بأمر، علم قطعا أنه لا يقوم دليل قطعي على نفيه.