وأما التشبيه فإنك فررت من تشبيه بموجود أو معدوم، فشبهته بالممتنع الذي لا حقيقة له، فإن ما ليس بموجود ولا معدوم لا حقيقة له أصلا، وهذا شر مما يقال فيه: إنه موجود أو معدوم.
وقد رام طائفة من المتأخرين،
nindex.php?page=showalam&ids=14592كالشهرستاني، nindex.php?page=showalam&ids=14552والآمدي، والرازي - في بعض كلامه - ونحوهم، أن يجيبوا هؤلاء عن هذا بأن لفظ (الموجود) و (الحي) و (العليم) و (القدير) ونحوها من الأسماء تقال على الواجب والممكن بطريق الاشتراك اللفظي، كما يقال لفظ
[ ص: 325 ] (المشتري) على الكوكب والمبتاع، وكما يقال لفظ (سهيل) على الكوكب والرجل المسمى بسهيل، وكذلك لفظ (الثريا) على النجم والمرأة المسماة بالثريا، ومن هنا قال الشاعر:
أيها المنكح الثريا سهيلا ... عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت ... وسهيل إذا استقل يمان
وهؤلاء متناقضون في هذا الجواب، فإنهم
وسائر العقلاء يقسمون الوجود إلى واجب وممكن، وقديم ومحدث، وأمثال ذلك، مع علمهم بأن التقسيم لا يكون في الألفاظ المشتركة، إن لم يكن المعنى مشتركا، سواء كان متماثلا أو متفاضلا، ومنهم من يخص المتفاضل بتسميته مشككا، فالتقسيم لا يكون إلا في الألفاظ المتواطئة التواطؤ العام الذي يدخل فيه المشككة، أو في المتواطئة التواطؤ الخاص، وفي المشككة أيضا.
فأما مثل (سهيل) فلا يقال: سهيل ينقسم إلى الكوكب والرجل، إلا أن يراد أن لفظ (سهيل) يطلق على هذا وهذا.
ومعلوم أن مثل [هذا] التقسيم لا يراد به الإخبار عن الإطلاق في اللغة، وإنما يراد به تقسيم المعنى المدلول عليه باللفظ. ولهذا كان تقسيم المعاني العامة صحيحا، ولو عبر عن تلك المعاني بعبارات متنوعة في اللغات، فإن المقسوم هو المعنى الذي لا يختلف باختلاف اللغات.
[ ص: 326 ]
وأيضا فلو لم تكن هذه الأسماء متواطئة، لكان لا يفهم منها عند الإطلاق الثاني معنى، حتى يعرف معناها في ذلك الإطلاق الثاني، كما في الألفاظ المشتركة، فإنه إذا أطلقه في موضع ما يدل على معناه، ثم أطلقه مرة ثانية وأراد به المعنى الآخر، فإنه لا يفهم ذلك المعنى إلا بدليل يدل عليه.