الوجه الخامس عشر:
أن هذا يلزم سائر بني آدم، وسائر من أقر بوجود شيء ما، فإن الموجود لابد أن يتميز منه شيء عن شيء، وأما الوجود الواجب فالتميز فيه أظهر لأنه أكمل وأتم، فلابد أن يتميز عن غيره من الموجودات بخصوص ذاته الواجبة مع مشاركته لها في عموم الوجود، وهذا إثبات لمعنيين يعلم أحدهما مع عدم العلم بالآخر. فإما أن ينفي أحدهما مع تقدير عدم الآخر، أو لا ينفي، فإن لم ينف لزم أن يكون أحدهما عين الآخر وهو محال، وإن جاز ذلك جاز ذلك في نظيره، فلا فرق بين أن تجعل الحقيقتان المتميزتان في الذهن إحداهما عين الأخرى أو يجعل الحيزات المتميزات أحدهما عين الآخر، وإن لم ينف لزم التركيب من صفتين وأكثر، فكذلك القول في كونه عاقلا ومعقولا وعقلا وذي عناية وفاعلا وموجبا لغيره/ وسائر
[ ص: 418 ] هذه المعاني، وقول القائل هذه أمور إضافية ليست وجودية لا ينفعه، ولو لم يقل إن الإضافات من جملة الأعراض الوجودية فكيف إذا قيل ذلك، وذلك أنا نعلم بالاضطرار أن هذه الأمور يختص بها الموجود دون المعدوم، وأنه لا يجوز وصف المعدوم بها، والأمور العدمية المحضة لا يختص بها الموجود ولا يكون وصف المعدوم بها ممتنعا، وأيضا فإن المعدوم يوصف بنقائضها فيقال ليس بفاعل ولا عاقل ولا معقول ولا عقل ولا واجب، ولا له عناية، فلو كانت هي أمورا عدمية لكانت نقائضها وجودية، فإن الوجود نقيض العدم ولو كانت نقائضها وجودية لامتنع وصف المعدوم بها، فإنه من أبده العلوم الضرورية أن الوجود لا يكون صفة للعدم فإن كانت نقائضها صفة للعدم كانت عدما، فتكون هي وجودية، وهي معان ثابتة لواجب الوجود بالاضطرار، ولابد من ثبوت معاني متعددة لكل موجود، فإن كانت هذه المعاني المتميزة في العلم من ضرورة الوجود الواجب
[ ص: 419 ] وغير الواجب كان ما سموه تركيبا من ضرورة كل موجود، فلا تكون محالا؛ بل تكون واجبا ويمتنع وجود موجود بدون هذه المعاني التي سموها تركيبا، ويكون نفيها نفيا للوجود، وذلك جماع السفسطة، ولهذا جعل الناس أول قولهم سفسطة وآخره زندقة.