الثالث:
أنه من أين في ظاهر القرآن أنه ليس لله إلا ساق واحد وجنب واحد فإنه قال: أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله [الزمر: 56] وقال:
يوم يكشف عن ساق [القلم: 42]، وعلى تقدير أن يكون هذا من صفات الله فليس في القرآن ما يوجب أن لا يكون لله إلا ساق واحد، وجنب واحد فإنه لو دل على إثبات جنب واحد وساق واحد، وسكت عن نفي الزيادة لم يكن ذلك دليلا على النفي إلا عند القائلين بمفهوم الاسم واللقب؛ لأنه متى كان للتخصيص بالذكر سبب غير الاختصاص بالحكم لم يكن المفهوم مرادا بلا نزاع، ولم يكن المقصود بالخطاب في الآيتين إثبات الصفة حتى يكون المقصود تخصيص أحد الأمرين بالذكر، بل قد يكون المقصود حكما آخر مثل بيان تفريط العبد، وبيان سجود العباد إذا كشف عن ساق، وهذا الحكم قد يختص بالمذكور دون غيره، مثل أن
[ ص: 465 ] يقال: هب أنه أخبر أنه يكشف عن ساق [واحدة] فمن أين في الكلام أنه ليس له إلا ساق واحدة، والقائل إذا قال: كشفت عن يدي أو عن عيني أو عن ساقي أو قدمي، لم يكن ظاهر هذا أنه ليس [له] إلا واحد من ذلك، بل قد يقال: إنه لم يكشف إلا عن واحد.
فدعواه النفي في ظاهر القرآن دعوى باطلة، وهو ممن لا يقول بمفهوم الصفة، فكيف بما ليس من باب المفهوم بحال؟ فكيف وليس في القرآن ما يقتضي إثبات الوحدة العينية، وذلك أن قوله:
يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله [الزمر: 56] اسم جنس مضاف، ومثل هذا إما أن يكون ظاهره العموم على القول المختار كالمعرف باللام عند الجمهور، وإما أن يكون العموم كثيرا فيه كقوله:
ليلة الصيام [البقرة: 187] و
وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها [إبراهيم: 34] / ولو كان هذا صفة لكان بمنزلة قوله:
بيده الملك [الملك: 1] و
بيدك الخير [آل عمران: 26] و
ولتصنع على عيني [طه: 39].