وقد يكون التوهم والتخيل مطابقا، من وجه دون وجه، فهو حق في مرتبته، وإن لم يكن مماثلا للحقيقة الخارجة، مثل ما يراه الناس في منامهم. وقد يرى في اليقظة من جنس ما يراه في منامه، فإنه يرى صورا وأفعالا، ويسمع أقولا، وتلك أمثال مضروبة لحقائق خارجة، كما رأى
يوسف سجود الكواكب والشمس والقمر له، فلا ريب أن هذا تمثله وتصوره في نفسه، وكانت حقيقته سجود أبويه وإخوته، كما قال:
يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا [يوسف: 100] وكذلك رؤيا الملك، التي عبرها
يوسف، حيث رأى السنبل بل والبقر، فتلك رآها متخيلة متمثلة في نفسه، وكانت حقيقتها وتأويلها من الخصب والجدب. فهذا التمثل والتخيل حق وصدق في مرتبته، بمعنى أن له تأويلا صحيحا، يكون مناسبا له، ومشابها له من بعض الوجوه; فإن تأويل الرؤيا مبناها على القياس والاعتبار والمشابهة والمناسبة. ولكن من اعتقد أن ما تمثل في نفسه، وتخيل من الرؤيا، هو مماثل لنفس الموجود في الخارج،
[ ص: 326 ] وأن تلك الأمور هي بعينها رآها، فهو مبطل، مثل من يعتقد أن نفس الشمس، التي في السماء والقمر والكواكب انفصلت عن أماكنها وسجدت
ليوسف، وأن بقرا موجودة في الخارج، سبعا سمانا أكلت سبعا عجافا: فهذا باطل.